دمشق – عبدالكريم العفيدلي
يلفت انتباهي البعض ممن لديهم هوس التقليد ، ما إن يأتي رأس السنة حتى يسارعون لشراء الألبسة المزركشة والحلويات والألعاب النارية بشكل مبالغ به والحجز بأرقى الأماكن التي يغني بها مطرب ما مشهور بقصد المباهاة أمام الأصدقاء إني سهرت بالمكان الفلاني والتقطت صور مع المطرب الفلاني وغنى لأجلي هذه الأغنية وهكذا …
وربما يكون قد استدان ثمن التذكرة لما يشعر به من نقص إن لم يقضي ليلة رأس السنة مع ما تسمى “ طبقة الدرجة الأولى “ و لا ادري هل يعيش سعادة في هذه اللحظات المصطنعة التي لا تمت للألفة والحميمية بصلة ، أم أنه يدعي ويصطنع السعادة !
وأنا أكتب هذه السطور لا أدري كيف تذكرت صديقتي ” الفراتية النبيلة “ وهي تحكي عن ذكرياتها برأس السنة في قريتها الجميلة ..المتكئة على ضفة الفرات تقول :
“طقوس قريتنا الحميمية لايعادلها اي طقوس في أفخم الأماكن بالعالم وعندما يأتي رأس السنة تكون فرصة لاجتماع الأهل والجيران والأحبة مع بعضهم وتكون طقوس الاحتفال بسيطة جدا نجتمع حول المدفأة ،نشوي الكستناء ونأكل “المشبك ” ونفصفص “البزر ” عباد الشمس كان له طعم لذيذ مع الذكريات التي نسردها لبعضنا عن السنة بمجملها ، يرقص المراهقون ويغنون أغنيات شعبية تتعالى ضحكاتنا مع تصرفاتهم العفوية ..وتنتهي بعشاء بسيط عبارة عن بطاطا مقلية ومطبّق الباذنجان وحوله انواع الحشائش و بعدها نحتسي الشاي المخدر وقبل أن تصبح الساعة ” 12″ بدقائق ننزل إلى الشارع ننتظرها وبعدها كل يتفرق ونعايد بعضنا ونحن نهرول نحو بيوتنا .. “ينعاد عليكم .. كل عام وانتم بخير “
وتضيف : برغم انقطاع الكهرباء غالبا في هذه الليلة ورغم العتمة كانت قلوبنا تشع نورا وحميمية ودفئا .. أجمل الأجواء هي تلك التي تعيشها ببساطة والدليل أنها لاتزال عالقة بذاكرتي وأستلذ طعم استرجاعها .
وانا استرجع ما كانت تسرده لي ليلة رأس السنة الفائتة ، تتزاحم الأسئلة بذهني عن الأماكن والأحبة والذكريات .. غابت كلها مع حميميتها فلم يعد لدينا طاقة على الفرح بمجرد أن تمر بالذاكرة هذه الليلة …
لا ادري ماهي السعادة عندما تسهر في مكان لأجل “لذة مصطنعة ” تعبر بها عن صورة أو مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي ،وتصرف من أجلها مبالغا خيالية وقد يكون على بعد أمتار من هذا المكان الذي تحتفل به طفل بات جائعا أو مريض يئن من شدة الوجع أو عائلة لا تجد ما تتدفىء به !
في هذه السنة فقط كم فقدنا أحبة وأصدقاء غيبهم الموت أو الغربة ، كم ابتعدنا عن أماكن وذكريات ، كم ضحكنا وبكينا وكم وكم ….
أليس من الأفضل أن تكون هذه الليلة مناسبة لنفتح بها حوارا مع ذاتنا نجرد به حساب السنة الفائتة ، ونستدرك أخطاءنا في السنة القادمة !
Discussion about this post