على مدى 20 عامًا، أفصح المسؤولون الإيرانيون عن رغبتهم بخروج الجيش الأميركي من أفغانستان. وزودت إيران المتمردين الأفغان بالأسلحة لاستخدامها ضد الجنود الأميركيين.كما وفرت مأوى لكبار قادة القاعدة في طهران، وتوددت إلى حركة طالبان بزيارات دبلوماسية، سراً ومن ثم علناً.
وبحسب ما ذكرت صحيفة “ذا نيويورك تايمز” الأميركية، “لكن عندما غادرت الولايات المتحدة أفغانستان أخيرًا في آب، فاجأ استيلاء طالبان السريع إيران. فجأة، صار لإيران، وهي الدولة الدينية الشيعية، حكم ديني سني متشدد على حدودها يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه معادٍ للشيعة. وأدت الاضطرابات أيضًا إلى تدفق اللاجئين الأفغان إلى إيران، كما وإلى مخاوف من أن تصبح أفغانستان مرة أخرى حاضنة للإرهاب، وأوقعت القادة الإيرانيين في شباك دبلوماسي في التعامل مع حكومة طالبان التي يُنظر إليها على أنها عدو وشريك محتمل. فقد تحولت هذه “الحلقة” إلى درس كلاسيكي في “انتبه لما تتمناه”.”
وقال محمد حسين عمادي، وهو دبلوماسي إيراني سابق عمل مستشارًا للحكومة الأفغانية ولصالح الأمم المتحدة: “لقد فهمت إيران أن عدو العدو ليس صديقك، وأن طالبان مشكلة أكثر تعقيدًا من الأميركيين. الإجماع يقضي بالتعامل مع طالبان بحذر شديد وعملي”.
وقال مسؤولون إن القلق الأكبر لإيران يكمن في عودة ظهور الفرع الأفغاني لتنظيم الدولة الإسلامية، الذي نفذ هجمات واسعة النطاق ضد الشيعة في أفغانستان وما إن كان سيستخدم الأراضي الأفغانية كقاعدة لشن هجمات إرهابية في إيران.
وتابعت الصحيفة، “أثبتت حركة طالبان، على الرغم من وعودها بتوفير الأمن والاستقرار، عدم استعدادها أو عدم قدرتها على منع هجمات داعش على الشيعة في أفغانستان. ويشعر المسؤولون الإيرانيون بالقلق بشأن مصير مجموعتين عرقيتين من الأقليات، الهزارة، وهم مسلمون شيعيون، والطاجيك، الذين تربطهم علاقات ثقافية وثيقة بإيران. ألغت طالبان الترتيب غير الرسمي لتقاسم السلطة الذي شجع تمثيل تلك الجماعات في الحكومة، واتهمت طالبان بتنفيذ عمليات قتل خارج نطاق القضاء وتهجير قسري لأعضاء كلا المجموعتين، ولكنها نفت هذه الاتهامات”.
وأضافت الصحيفة : “وأدى استيلاء طالبان على السلطة إلى إرسال موجة جديدة من اللاجئين إلى إيران، إضافة إلى فرار أكثر من مليوني أفغاني إليها خلال فترات الاضطرابات السابقة. أدى وصولهم إلى استنفاد موارد إيران في الوقت
الذي يعاني فيه اقتصاد البلاد من الضرر بسبب وباء فيروس كورونا إضافة إلى العقوبات المالية الدولية. لكن أي رد إيراني على الوضع الجديد في أفغانستان له تكاليف محتملة. من جهة، قد يؤدي الاعتراف بطالبان إلى رد فعل عنيف في الداخل بين الإيرانيين الذين يعتبرون طالبان جماعة إرهابية كما وقد يشوه تصنيف إيران لنفسها على أنها حامية للشيعة في العالم الإسلامي. من جهة أخرى، قد يؤدي رفض طالبان إلى إبطال المكاسب التي حققتها إيران في المغازلة الحذرة للحركة على مر السنين، وسرعان ما ستتحول العلاقة الضعيفة إلى علاقة عدائية. ويخشى المسؤولون الإيرانيون الانجرار إلى صراع طويل الأمد لا يريدونه ولا يستطيعون تحمله. في الوقت الحالي، يقول المسؤولون الإيرانيون إنهم يتبعون نهج منتصف الطريق. واعترف مسؤولون بأن طالبان حقيقة واقعة لكنهم لم يصلوا إلى حد الاعتراف بهم كحكومة شرعية لأفغانستان”.
وتابعت الصحيفة، “عانت العلاقات السياسية بين إيران وأفغانستان من تموجات عدة على مدى عقود، وذلك اعتمادًا على من تولى السلطة في أفغانستان. فمثلاً في العام 2001، انحازت إيران إلى الولايات المتحدة في غزوها لأفغانستان، وقدمت المخابرات العسكرية التعاون الأمني، ولاحقًا كان لها دور أساسي في تشكيل أول حكومة ما بعد طالبان، بقيادة حامد كرزاي. ولكن بعد أن أدرج الرئيس جورج بوش الإبن إيران في خطابه الشهير “محور الشر” في عام 2002، كما وإنشاء قواعد عسكرية أميركية في العراق، تغيرت الحسابات في طهران. فبدأت إيران في التواصل مع طالبان بهدف طرد الولايات المتحدة خارج البلاد. وقال فالي نصر ، كبير مستشاري إدارة أوباما لشؤون أفغانستان وباكستان، إن إيران شعرت بالذعر عندما بدأت إدارة ترامب محادثات السلام مع طالبان.
وأضاف، انتقد مسؤولون إيرانيون إدارة ترامب لعدم طلبها تنازلات سياسية كافية من طالبان في محادثات الدوحة، قطر، مما أدى إلى “صفقة أميركية وبشتونية” بدلاً من واحدة تعود بالفائدة على جميع الأفغان”.
وتابع قائلاً: “الإيرانيون هم سادة النفوذ، كانوا يعلمون أنه بمجرد توقيع الدوحة لم يكن هناك ما يوقف طالبان. السياسة الآن تكمن بتجنب الأسوأ في أفغانستان والعثور على ما يجب متابعته في الفوضى التي خلفتها أميركا”.
ترجمة رنا قرعة- “لبنان 24”
Discussion about this post