شهدت الساحة العربية مؤخرا اتفاقات وتطورات وتصريحات أظهرت ميل دول عربية عديدة إلى إعادة علاقاتها مع النظام السوري، في وقت أكدت واشنطن رفضها “تطبيع” أو “تطوير” العلاقات مع سورية.
وشهد الثامن من أيلول الجاري اتفاقا عُقد ما بين وزراء الطاقة في كل من الأردن وسوريا ومصر ولبنان، في اجتماع استضافته عمّان، على خارطة طريق لنقل الغاز المصري عبر سوريا برا إلى لبنان الذي يعاني أزمة خانقة تسببت بانقطاع الوقود والطاقة لديه.
وتم الاتفاق بين الدول المتجاورة على أن تزوّد مصر لبنان بالغاز من خلال خط أنابيب يعبر الأراضي الأردنية والسورية، بعد التأكد من جهوزية البنى التحتية لها، وكان من اللافت حضور سوريا في الاتفاق بعد قطيعة سنوات.
ويوم الثلاثاء أعلن الأردن إعادة فتح حدوده البرية إلى جانب استئناف الحركة الجوية مع سوريا، كما ظهرت مؤخرا دعوات من مسؤولين عرب تحث الدول على الانفتاح على دمشق والتعاون معها.
لكن ووسط هذه التطورات، أكدت وزارة الخارجية الأميركية، الأربعاء، أن واشنطن لا تملك أي خطط من أجل “تطبيع أو تطوير” العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، ولفتت إلى أنها لا تشجع الآخرين على القيام بالأمر.
وأدلت الخارجية بتصريحاتها ردا على أسئلة وجهتها وكالة “رويترز” بشأن ما إذا كانت واشنطن تدعم التقارب الأردني السوري الأخير، المتمثل بإعادة فتح الأردن حدوده البرية مع سوريا بشكل كامل، الأربعاء.
كما نشرت الخارجية الأميركية، الأربعاء، تغريدة أفادت باجتماع مسؤوليها مع ممثلين عن ائتلاف المعارضة السورية، بهدف إعادة التأكيد على دعم واشنطن للتوصل إلى حل سياسي لإنهاء الأزمة في سوريا.
وكانت خطوط الطيران الأردنية الرسمية، “الملكية الأردنية”، قد أعلنت استئناف رحلاتها ما بين عمان ودمشق، اعتبارا من يوم 3 تشرين الاول المقبل.
كما أعلن وزير النقل الأردني، وجيه عزايزة، عبر “راديو سوا”، أن الملكية الأردنية ستقوم اعتبارا من الأحد القادم بتوفير خدمة النقل البري لمسافريها من وإلى سوريا.
كما شهدت الأيام الأخيرة تصريحات واجتماعات لمسؤولين من دول عربية مع مسؤولين سوريين، حملت رسائل ضمنية وقعت جميعها في إطار التطبيع مع النظام السوري.
وكان وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، قد أكد الخميس عمل بلاده بهدف عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، وذلك على هامش اجتماعه بنظيره السوري، فيصل المقداد، خلال الدورة 76 للجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك.
وأصدرت الخارجية العراقية بيانا قالت فيه إن “العراق يستمر في جهوده لعودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية”، وجاء فيه أن “استقرار سوريا يهم العراق”.
كما التقى المقداد، الأسبوع الماضي، بنظيره المصري، سامح شكري، على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، حيث تم استعراض العلاقات ما بين البلدين وتطورات الأزمة السورية، ما يعكس الانفتاح المصري على هذا النظام.
وجاء لقاء المقداد مع شكري عقب يوم من اجتماع الأول مع نظيره الأردني، أيمن الصفدي، في ذات المحفل الدولي.
واستعرض مقداد والصفدي العلاقات الثنائية والجهود المبذولة من أجل التوصل لحل للأزمة السورية، بالإضافة إلى ملف تزويد لبنان بالغاز المصري عبر الأراضي السورية والأردنية.
وعززت جميع التطورات الأخيرة اعتقاد البعض بأن العقوبات المفروضة على سوريا قد تشارف على الانتهاء في وقت قصير، كما تساءل البعض إن كان الأمر يعني أن آخر المجريات تتعارض مع تطبيق “قانون قيصر” الذي يحظر التعامل مع سوريا في مجالات عدة.
المحلل السياسي والمعارض السوري، أيمن عبد النور، رأى أن التطورات الأخيرة لا تعني انتهاء المقاطعة على سوريا، كما أكد أنها لا تتعارض وجوهر قانون قيصر لاختلاف الظروف.
وقال في حديث إلى موقع “الحرة” إنه “لا يوجد حقيقة تغيير في قانون قيصر، وبقاؤه يحظى بإجماع كبير بين نواب الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي”.
ووفقا لعبد النور، فإن “النظام السوري يستغل عددا من القضايا التي تحصل لإعطائها بعدا سياسيا وهي ليست كذلك”.
ولفت إلى أن “الاتفاق الأول (اتفاق الغاز) هو اتفاق إقليمي اقتصادي يهدف لتزويد وإنقاذ لبنان وشعب لبنان من الوضع والمأزق الذي (يعيش) فيه، وكي لا تكون معتمدة حصرا على المحروقات الإيرانية”.
وبحسب عبد النور، فقد “استغل النظام السوري هذا الأمر سياسيا (ليتظاهر بأن) العقوبات انتهت وأن الولايات المتحدة خففتها، وهذا لم يحصل”.
كما أضاف المحلل أنه “بالنسبة للمساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية؛ هي مسموحة بقانون قيصر ولكن النظام يحاول أن إعطاءها بعدا سياسيا، وأنه هناك أيضا تخفيفا للعقوبات”.
وأردف “ليس هناك أصلا مسودة تُعد من أجل تخفيف قانون قيصر (في) الكونغرس”.
وعلى حد تعبيره، فإن “سوريا ليست هي الهدف”، وأوضح أنه حتى الاتفاق مع الأردن “هدفه إنقاذ الأردن من وضعه الاقتصادي السيئ، وثانيا إنقاذ لبنان من وضع اقتصادي صعب، وليس لمساعدة النظام السوري، لكن النظام السوري سيستفيد بالضرورة بسبب موقعه الجغرافي”.
وأضاف “بعض الدول العربية لديها مصلحة سواء اقتصادية أو سياسية من أجل إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية”.
بدوره، أكد المحلل السياسي الأردني، نصير العمري، في حديث إلى “الحرة” أنه “فيما يتعلق بالانفتاح الأردني على سوريا، تاريخيا هناك تكامل اقتصادي بين سوريا والأردن، وتعاون في مجال الزراعة والطاقة والمياه ومجالات أخرى”.
وتابع قائلا إن العاهل الأردني، عبد الله الثاني، بعد لقائه الأخير مع الرئيس الأميركي جو بايدن “ربما يكون (قد حصل) ضوء أخضر لمساعدة لبنان مرورا بسوريا، لأن أزمة لبنان بالطاقة لا يمكن حلها إلا عن طريق المرور بسوريا”.
وأضاف “ورأينا العاهل الأردني يقول إن النظام السوري باقٍ وإنه يجب التعامل مع الواقع، والأردن يريد أن يستفيد لأن هناك مشاكل اقتصادية ومائية كبيرة، ويريد الاستفادة من الانفتاح على سوريا”.
وعلق العمري على دور مصر في أزمة لبنان، قائلا إنه “بضوء أخضر أميركي تريد (مصر) التخفيف عن لبنان وبالتنسيق مع الأردن، أظن أن هذا يقع في نطاق هذا التعاون الضيق”.
وبحسب العمري، فإن “سوريا تريد تسجيل نقاط سياسية وتشعر بأن هذا يمكن أن يكون طريقة للعودة إلى الجامعة العربية والتكامل مع العالم العربي، ولكن فيما يتعلق بقانون قيصر فهو غير متصل بالتعاون ما بين الأردن وسوريا حيث أن الأدوية والأغذية وغيرها غير خاضعة للعقوبات من نظام قيصر، وكذلك ذات الشيء فيما يتعلق بالأنظمة الأخرى”.
وتابع مؤكدا “سياسيا الموقف الأميركي لم يتغير وهو العودة إلى جنيف وقرارات جنيف بحل الأزمة السورية، وهذا أيضا ربما طُرح في لقاء بايدن مع بوتين حول الانتقال السياسي في سوريا، وربما تكون هذه استراتيجية السيد بايدن في بعض الانفتاح من أجل تسهيل التعاون الروسي فيما يتعلق بسوريا”.
وأوضح “هناك تغيير ولكن أظن بأنه تغيير مشروط بتعاون أميركي روسي لحل الأزمة السورية، وهو غير مرتبط بشكل مباشر ربما بما يحصل بين الأردن وسوريا في هذه المرحلة”.
واستبعد العمري أن يشكل قرار فتح الحدود أي انتهاك لقانون قيصر، كونه “يستهدف السلاح وتزويد السلاح والتعاون البنكي ونقل الأموال، ولكن فيما يتعلق بالتجارة ما بين الأردن وسوريا فهي ستقتصر على تجارة تتعلق بالطاقة والماء والزراعة والمنتجات الزراعية”.
الحرة
Discussion about this post