كمال خلف
قمة بدون سابق انذار عقدت اليوم في ابوظـبي حيث اجتمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة الى مصر والأردن، تأتي مباشرة بعد قمة دعت اليها مصر جمعت الرئيس عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني عبد الله الثاني ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. فما الذي استدعى هذه القمم المباغتة وما علاقة الأولى بالثانية؟
من نافل القول ان الدول العربية تواجه تحديات في هذه المرحلة ناتجة عن عدة تغيرات في البيئة الاقليمية والدولية. فهناك مستجد متعلق بالمصالحة التركية السورية والتي تعمل عليها كلا من روسيا وايران بغياب تام لأي دور عربي او تاثير في هذا التطور او تقدير لنتائجه المستقبلية. وهناك مستجد اخر يتمثل في وصول حكومة من الفاشيين العنصريين في إسرائيل سيطرح وجودها جملة من التحديات في داخل فلسطين وفي الإقليم وفي مسار ومصير مشروع التطبيع العربي الإسرائيلي الذي يراد له ان يتمدد نحو دول أخرى على رأسها السعودية.
ad
وهناك كذلك المرحلة الجديدة في إعادة صياغة العلاقة مع ايران متمثل بالحوار الإيراني السعودي الذي يتقدم، والتقارب الإيراني الأردني. وموضوعات دولية أخرى في مقدماتها التأثيرات الاقتصادية لحرب أوكرانيا ودخول الصين على خط التعاون العسكري والأمني مع عدد من الدول العربية.
كل هذه الموضوعات هامة بالنسبة للدول العربية. ولكن التساؤل هنا لماذا لا تطرح هذه القضايا في اطار الجامعة العربية، ولماذا لم يدع الى قمة عربية استثنائية تجمع كل الدول العربية لمناقشة هذه العناوين؟
نود ان نقدم تفسيرا خاصا للجواب عن هذا التساؤل، بناء على معطيات المرحلة السابقة ومؤشرات قد تدلل على استنتاجات تفضي الى صورة واضحة حول ما يجري من وراء الستار.
نعتقد ان القمة الثلاثية المصرية الأردنية الفلسطينية والتي عقدت امس والتي تضمنت بلورة رؤية استراتيجية عربية لطرحها في المحافل العربية والدولية. كانت رسالة غير مباشرة موجه من الرئيس “عبد الفتاح السيسي” للسعودية والامارات تحديدا. وتنسيق القاهرة مع الأردن والسلطة الفلسطينية فقط دونا عن الحليفين الخليجيين معناه ان الرئيس السيسي قرر زيادة جرعة الضغط على هذه الدول بسبب عدم مد يد العون للقاهرة في الازمة الاقتصادية المستفحلة او الادق وقف المساعدات السخية التي كانت تغدقها هذه الدول على مصر في مرحلة محاربة الاخوان المسلمين في مصر والعالم العربي، ومرحلة معركة كسر العظم مع قطر في المواجهة الحادة والغير مسبوقة بين هذه الدول والدوحة. ربما وجدت الرياض وابوظبي ان الحاجة الملحة لموقف القاهرة من هذه التحديات انتفت. بالتالي لم يعد هناك مبرر لابقاء الدعم المالي السخي.
اللافت ما نشره موقع “الامارات للدراسات” على توتير وهو جزء من مقال للكاتب “سليم عزوز” جاء فيه “يعتقد السيسي ان قدرته على اسكات المعارضة الإسلامية بالسلاح يتوجب تمويله باستمرار، فاخذ الأموال لمشروعات بلا عائد اعتقادا منه ان مصر ستعيش عالة على دول الخليج “السعودية والامارات” تحديدا والى الابد، فالبديل له هم الاخوان ولهذا جعل من التنظيم الاخواني فزاعة”.
ما مغزى نشر هذا المقطع تحديدا من حساب اماراتي؟
ثمة مؤشرات تدلل على انزعاج القاهرة وبروز خلافات تحت الرماد. رسائل غير مباشرة أخرى ووجهتا القاهرة خلال الفترة الماضية منها وقف تنفيذ اتفاقية “تيران وصنافير” كان السبب حسب مصادر إعلامية أمريكية ان القاهرة مستاءة من اقطاع واشنطن جزء من المعونة لمصر على خلفية قضايا حقوق الانسان. لكن أيضا بالتوازي فان وقف الاتفاقية يضر بالمصالح السعودية وحماس الرياض للسيطرة على الجزيرتين، وتنفيذ المشاريع المخططة بشأنها.
وقبل أيام شن اعلاميون مصريون موالون للرئيس السيسي هجوما على زميلهم ” عمرو اديب” الذي يعمل في قناة” ام بي سي” مصر المملوكة للسعودية، ووصفوه بالعميل للسعودية وبأنه يخدم اجندة السعودية في مصر. وكان التساؤل اللافت في خضم الحملة الإعلامية هو ” لماذا هناك قنوات مملوكة لدول وموجهة داخل مصر ” وهو تساؤل يعني التلويح باغلاقها ومنع عملها داخل الأراضي المصرية.
قد تكون أبو ظبي والرياض سعيتا الى احتواء الغضب المصري بالدعوة العاجلة الى قمة خليجية مصرية اردنية، لما تشكله القاهرة من ثقل عربي واقليمي، وفقدانها يعني خسارة على المستوى الاستراتيجي.
ولاتبدو العلاقة السعودية الإماراتية افضل حالا مع الأردن، اذ يشتكي الأردن بخفوت وقف المساعدات الخليجية منذ عشر سنوات. ومع ارتفاع حدة الازمة الاقتصادية والمعيشية في الادرن، باتت عمان بحاجة ماسة للدعم. الا ان الخلافات لا تقتصر فقط على طلب المعونة، بل تعدتها الى المجال السياسي، فالاردن عارض بشدة صفقة القرن ونسق الملك عبد الله الموقف المندد للصفقة مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان خلال زيارة قام بها الى انقرة، وهو ما مثل خروجا بل تحديا للموقف الخليجي.
عدا عن سكوت الأردن عن تفاصيل الانقلاب الفاشل في ابريل 2021 الذي قد تكون الرياض وأبو ظبي لها علاقة به بشكل ما. فالمعتقلان على خلفية هذه القضية “باسم عوض الله” و”حسن بن زيد ” كانت لهما صلات وثيقة بالرياض. ويقال ان الرياض تطالب بالافراج عنهما وتمارس ضغطا على عمان من اجل ذلك.
اما بالنسبة للسلطة الفلسطينية فان تباعدا وجفاءا ساد بينها وبين الرياض وابو ظبي بسبب الموقف من صفقة القرن، واتفاقات ابراهام. وشن اعلام البلدين هجوما على السلطة الفلسطينية وعلى الفصائل الفلسطينية وحتى على سردية الحق الفلسطيني ككل بالتزامن مع ذهاب الامارات والبحرين وبمساندة غير معلنة من الرياض الى توقيع اتفاقات التطبيع مع إسرائيل.
لذلك كانت القمة الثلاثية امس بين القاهرة وعمان والسلطة الفلسطينية عبارة عن تجمع المتضررين من سياسات السعودية والامارات. ومبادرة مصر هذه دقت ناقوس الخطر واستدعت عقد قمة على عجل مع مصر والأردن لتطويق الازمة ومنعها من التفاقم. والله اعلم.
راي اليوم
Discussion about this post