مع اقتراب الحرب الاوكرانية من دخول عامها الثاني، وتصاعد كثافة القصف الروسي الانتقامي لمواقع الجيش الاوكراني في شرق البلاد والعاصمة كييف، وتفاقم الاحتجاجات والاضرابات، وارتفاع معدلات التضخم وغلاء المعيشة، بدأت الأصوات تتعالى داخل أوروبا والولايات المتحدة التي تطالب بتجنب التورط في حرب مباشرة مع روسيا، وحتمية الدخول في مفاوضات معها، بأسرع وقت ممكن للتوصل الى هدنة دائمة ووقف للقتال على جميع الجبهات.
لم تجانب صحيفة “الواشنطن بوست” الامريكية الحقيقة عندما قالت في مقال لها نشرته اليوم بأن مستقبل أوكرانيا لم يعد في يد رئيسها او شعبها، وانما أطراف خارجية على رأسها الولايات المتحدة، وأكدت ان العالم الغربي لا يستطيع الاستمرار في تقديم الدعمين العسكري والمالي الى الابد لاوكرانيا.
***
هناك عدة مؤشرات من قيادات عسكرية وأمنية أوروبية وامريكية تؤكد على نشوء “صحوة غربية مضادة” تتوسع دائرتها يطالب أصحابها، وهم من المؤثرين في سياسات بلادهم الاستراتيجية، بوقف هذه الحرب بعد ان باتت باهظة التكاليف، واصبح من الصعب الانتصار فيها، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أولا: وجود قناعة راسخة لدى كيفن مكارثي الجمهوري رئيس مجلس النواب الأمريكي الجديد الذي فاز بعد 15 جولة من التصويت، بأن النواب الجمهوريين في مجلس النواب (يملكون الأغلبية) لن يسمحوا بتقديم مساعدات عسكرية ومالية غير محدودة لأوكرانيا، وسيتم التركيز على قضايا أمريكا المحلية مثل الهجرة والحدود المفتوحة، والدين العام، وأزمة الطاقة، والتضخم.
ثانيا: إدلاء الجنرال ريتشارد دانات رئيس هيئة الأركان العامة للقوات البريطانية بتصريحات “خطيرة” و”صادمة” لصحيفة “الديلي تلغراف” البريطانية قال فيها ان حكومة بلاده فقدت الاهتمام بتقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا، فبريطانيا باتت “متعبة” ولم تعلن عن تقديم أي دبابات او معدات عسكرية الى كييف أسوة بأمريكا وفرنسا المانيا التي أعلنت قبل ايام عن تقديمها دبابات ومدرعات ومنظومات صواريخ “باتريوت” الى أوكرانيا لتعزيز قدراتها العسكرية في مواجهة الهجمات الروسية، والتزمت الحكومة البريطانية بالصمت.
ثالثا: اتهم تينو كروبالا رئيس حزب “البديل” المعارض حكومته الألمانية بجر البلاد الى حرب مباشرة مع روسيا بتزويدها اوكرانيا بدبابات حديثة، وقال “الصراع في اوكرانيا ليس صراعا المانيا، وعضويتها (المانيا) في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي لا تلزمها بالتورط في هذا الصراع”، وأضاف “مصلحة المانيا وشعبها ليس في ارسال الأسلحة لاوكرانيا، وانما وقف ارسالها، وإعادة العلاقات مع روسيا، والانخراط في مفاوضات للتوصل الى هدنة مفتوحة”.
رابعا: كشف الجنرال سكوت ريتر المسؤول السابق في المخابرات الامريكية وعضو فريق التفتيش الاممي عن أسلحة الدمار الشامل في العراق الذي انشق احتجاجا على غزو العراق واحتلاله، عن نجاح الروس في خديعة الولايات المتحدة وأوكرانيا والغرب عموما، بتوجيه ضربة استباقية بإقتحام قواتها لشرق أوكرانيا والاستيلاء على إقليم “دونباس” مما أدى الى إفشال معظم المخططات والتوقعات الامريكية، وقال ان روسيا تجرأت على أمريكا وحلف الناتو بأخذها زمام المبادرة على عكس كل توقعات الخصم ورهاناته المضادة.
خامسا: العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا كشفت عن ثقوب عديدة وسلطت الأضواء على نقاط ضعف حلف الناتو خاصة في عملية الامداد والتسليم للمعدات العسكرية، فالمانيا عارضت نقل الدبابات الثقيلة على طرقها السريعة الى أوكرانيا لان وزنها الإجمالي يتجاوز الحدود القانونية.
***
هذه المعارضة القوية في أوروبا، بل وداخل أمريكا نفسها للحرب الاوكرانية تؤكد، ان هناك حالة من “الملل” والإحباط تتصاعد هذه الأيام في أوساط معظم النخب العسكرية والسياسية الغربية، وتطالب بوقف هذه الحرب الأوكرانية “العبثية” بأسرع وقت ممكن لتقليص الخسائر المادية والبشرية، وبما يؤدي الى التوصل لهدنة مفتوحة ووقف لإطلاق النار ينقذ ماء الوجه، على غرار ما حصل في الحرب الكورية.
فاذا كانت هذه الأصوات “الحكيمة” تتعالى وقبل أسابيع من دخول هذه الحرب عامها الثاني، وتقول “كفى” فكيف سيكون عليه الحال لو استمرت لسنوات قادمة خاصة ان الرئيس بوتين والمقربين منه، يؤكدون ان نفسهم طويل جدا ولن يتنازلوا عن أهدافهم التي دفعتهم لخوضها، واطلاق الرصاصة الأولى بعد اعداد جيد، نرى نتائجه بشكل واضح في ميادين القتال حتى الآن؟
مقدمات العام الجديد توحي بوضع سياسي وعسكري صعب للولايات المتحدة وحلفائها في الميدانين السياسي والعسكري.. والأيام بيننا.
Discussion about this post