اللاذقية – اخبار سوريا والعالم – أسامة معلا- رولا علي سلوم
تسرد الكاتبة ” ندى الدانا ” بأسلوب معبّر موحٍ مجموعتها القصصية ( هل كان طيفاً ؟؟ ) محدّدةً الزمان والمكان والشخصيات؛ فالزمان هو زمن الحرب على سورية، والمكان هو حلب الشهباء، أما الشخصيات فهي شخصية الراوية، الكاتبة ذاتُها بصيغة المفرد المتكلم ” أنا”، وهي الشخصية الأساسية المحرّكة لكافة شخصيات القصص في المجموعة.
وتختار الكاتبة عنوان مجموعتها ” هل كان طيفاً ؟؟” لتقول لنا : تلك الحرب اللعينة بكلّ آلامها وأوجاعها هل كانت طيفاً مرّ وعبر بسلام ؟؟!!
أما شخصيات القصص؛ فهي شخصياتٌ حقيقية من الواقع المعاش، عانت الحرب والجوع والوجع بكافة الأبعاد، صبرت وتحمّلت، وتابعت حياتها بسلام،
فهل نجت تلك الشخصيات من الموت ؟؟ ولم تنجُ من الحياة ؟؟!!
لا تبتعد الكاتبة في وصفها عن تراب هذا الوطن، إنها مجبولةٌ بحبه، متشبثة به وبتراث الأجداد .
في قصة ” التنين ” توثق الكاتبة ” ندى الدانا” العدوان الغادر على ميناء اللاذقية،واصفةً إيّاه بالكابوس المرعب، وقد أحرِقت بعضُ الحاويات، وكُسِر بلور الأبنية الملاصقة للشاطئ. ليستِ الحرب المستعرة وحسب، بل الطبيعة أيضا، إنّها تثور، والوقت نهاية حزيران، إنها عاصفة مع بداية حزيران، مع بداية الصيف تدمّر المزروعات وتكسر الأشجار، وتخلع الخيام على البحر من مكانها ، ” وما أكثر العواصف في حياتنا ” .
تتحدّث عند قراءتها رواية ” الشراع والعاصفة” للكاتب ” حنا مينة”، ومن خلال الرواية تتطرق إلى شخصية الطروسي، الصيّاد الذي خرج إلى البحر في يوم ٍعاصف ٍ لينقذ البحّرة الذين خرجوا من شاطئ اللاذقية للصيد .
ثم تقرر الراوية الذهاب إلى حديقة البطرني لتكمل قراءة الرواية، لدى الكاتبة ميزة ” حُسن التخلص”، فقد انتقلت إلى فكرتها الأساسية من خلال الذهاب إلى حديقة البطرني، وربطت أحداث الحرب بالعاصفة، بالرواية ، بالبطرني . ذكاءٌ جميل، وحسن تخلصٍ رائع، وأثناء جلوسها في حديقة البطرني تتخيّل شخصياتٍ أدبيّة، فتحاورها، ومنها شخصية الطروسي بلباسه القديم وهو يقول لها: ” لقد بلطوا البحر” . تحاورها شخصية الطروسي لتقول لها : إنّ الكاتب حنا مينة لم يخترع هذه الشخصية من خياله، بل إنها شخصية واقعية حقاً .
تتحسّرُ الكاتبة على ماكان للبحر ولمقهى العصافيري من ألقٍ وروعةٍ وجمالٍ … ثم ما آل إليه بعد أن بلطوا البحر، بأسلوب جميلٍ عفويّ بعيدٍ عن التكلف تخفي الكاتبة شخصية الطروسي وزوجته وشخصية المارد لتعود إلى عالمها الحقيقي الصارخ المؤلم، وتكمل حديثها مع صديقتها صبا وابنتها رشا .
وفي قصة ” المطرقة ” سردٌ قصصيّ مؤثرٌ، تعرض الكاتبة في القصة أشكال الوجع التي تطرقُ على رأسها وكأنها مطرقةٌ ثقيلةٌ. تتحدّثُ عن مدينتها حلب المنقسمة إلى قسمين : شرقية وغربية ؛ تصف المسلحين وهم يرمون مئات القنابل على الجهة الغربية التي تقطن فيها، حالة الخوف والذعر تسيطر على الناس الذين صمدوا ولم يغادروا لمدينةٍ يتساءلون : ” هل تنتهي الحرب قبلنا ؟ أم ننتهي قبلها ؟ ” ، تساؤلاتٌ طريفةٌ تطرحها الكاتبة بين الحين والآخر، ثم تصف حالة الفرح بعودة الأمان إلى حلب وسورية .
ولاتنسى الكاتبة أن تذكر حالات الهجرة لدى بعض الناس من حلب إلى اللاذقية كحال صديقتها المهندسة المدنية ” فائزة” التي نزحت من بيتها في حارة باب الحديد في حلب القديمة، وتقول صديقتها : ” سنعيدُ بناء حلب كما نصنع المحاشي والكبب، سننظفها من النفايات كما أنظفُ أدوات الطبخ في بيتي “. تعبّرُ عن حب أهالي حلب لمدينتهم، تصفُ حالة الأسرة الحلبيّة وقد تفرّقت إثر الحرب، تقول : “تحنّ فائزة إلى ابنتها المتزوجة في بلدة يسيطر عليها المسلحون، وإلى أولادها الذين سافروا إلى تركيا بحثاً عن العمل والأمان ” ، ثم صديقتها إقبال وما عانته من زوجها وعلاقاته، وصديقتها سناء ، ثم فداء وعائلتها عائلة الشهداء، ثم صديقتها ليلى وزوجها المختطف المقتول وابنها المفقود .
وتذكر الكاتبة تشظي بعض العائلات إلى موالي ومعارض، أحدهم في الجيش، والآخر مع الكتائب المسلحة، تقول: ” أيتها الحرب؟ أيتها الحرب ؟ أما آن لكِ أن تندحري؟ ” .
مجموعتها القصصية ” هل كان طيفاً؟ ” تدخل ضمن إطار أدب الحرب على سورية بشكل دقيق تماماً، فكلّ قصةٍ مضمخّة بدخان الحرب الأسود، وبلهيبه المحرق .
أما في قصة ” الورد الدامي” تصف الإرادة والثبات لدى شعب سورية، وحلب بشكل خاص، فالتاجر بائع الورد الذي اختُطِف وأخِذ محلُه وبيته عنوةً، ثم هُجّر من حيّه، لازال يتابع حياته، وهو يبيع الدخان على بسطة صغيرة مقابل بائع ورد في حيّ آخر، يحدوه الأمل ليعيد ماكان له من مجدٍ وحياة سعيدة، فهو يعيش الآن في شارع اسكندرون بحيّ الجميلية، وكان يعيش سابقا في حي الصالحين .
تصف الكاتبة كيف حاول المسلحون الذين دخلوا حلب من جنسيات مختلفة كالسعودي والتونسي والأردني والشيشاني والليبي والعراقي والأفغاني، كيف حاولوا استمالته ليدخل في التنظيم معهم، لكنه رفض، رفض أن يكون أميراً ويخون وطنه . تتحدث الكاتبة عن الخونة الذين ساعدوا هؤلاء لاستباحة الأرض والعرض، تقول: ” ولهم أتباع من الحيّ يخدمونهم ويساعدونهم في أعمالهم ” .
لم يستطع هؤلاء إقناعه بحمل السلاح وهو سجين عندهم لمدة ثلاثة أشهر، دفع الفدية وخرج ليكتشف أنّ أمير الكتيبة صادر بيته وأعطاه لأحد أعوانه من المسلحين الشيشان لبسكن فيه مع أسرته، أما دكان الورد فتحوّل إلى مستودع للأسلحة، فاضطر إلى النزوح من الحيّ خوفاً على حياته .
توثق الكاتبة مجريات الحرب على سورية بدقة وتفصيل، كيف هُجر الناس، وكيف غُرر ببعضهم من خلال المال أو منصب الأمير .
الخيال الجميل تحرّكه الكاتبة من خلال شخصية الرجل الذي ” يتخيل إحدى علب السجائر وردة حمراء، والأخرى وردة بيضاء، يحرّك العلب وكأنه يجمع الورود في سلة” ، توظف الكاتبة أيضاً الأسطورة، أسطورة طروادة وحصانها المخادع، تقول: ” أشخاص يتكلمون باللغة العربية الفصحى، مجرد كلمات قليلة، ملامحهم الغربية مازالت تتراقص أمامه، كيف غزوا الحي، وحوّلوه إلى ساحة معركة ؟ الحي الذي يعرف سكانه بعضهم بعضاً، أدخلوا إليه حصان طروادة، وصار مرتعاً للغرباء، يأتون من كل فج وصوب بملامحهم القاسية، وبثيابهم الطويلة، يتحكمون بالبشر ويهدمون الحجر، ثم تبيّنُ الكاتبة الهدف الرئيس من مجيء هؤلاءبقولها : ” يأتون للجهاد في سبيل الله، وفي سبيل الإسلام، يقتلون المسلحين، ويزرعون الفتن بينهم، يبيحون لأنفسهم محاسبة الناس، ومعاقبتهم بحجة الدين، الله وحده مَن يحق له محاسبة عباده” .
توظف الكاتبة الحوار الذي يبعث الحميمية في القصة من خلال الشخصيات المتحاورة والتي تشعرنا وكأننا أحد شخوصها، تقول : ” هتف أحد المارة : الله يلعن المجرمين، ماذا فعل لهم هؤلاء المساكين كي يرموهم بقذائف الموت؟ يا ويلهم من رب العالمين ! قال آخر : الله يحمينا من هؤلاء الوحوش” . تنهي قصتها بلغة شاعريةٍ بعد أن تصف حادثة تفجيرٍ تصيب الشاب صاحب الورد وهو على دراجته، فتختلط دماؤه بدماء الورد.. تقول الكاتبة :” مازال الورد الدامي في الشارع، متى يشفى من جراحه ؟ سلة ورد في سيارة دفن الموتى، سلة ورد في ميلاد، سلة ورد في عرس، سلة ورد في دكان، أيها الورد ! أيها الورد ! كيف تتفسّح في كل الأزمنة، كيف تتلوّن بجميع الألوان “.
وفي قصة ” جولات ” تتحدث الكاتبة فيها عن نفسها بشكل واضح بعد أن سمّت نفسها ” المتجولة”، لتجولها في شوارع حلب، وبعد الحرب أصبح التجول في الشوارع مغامرة خطيرة، إما الموت أو فقدان أحد أعضاء الجسم بسبب المواد المتفجرة من الطرف الآخر للمدينة . تتحدث عن حلب الموجوعة التي صارت اثنين؛ شرقية وغربية، وتكرّر الكاتبة هذه الفكرة، انقسام حلب في أكثر من قصة لتأثرها الكبير بذلك، حلب الشرقية يسيطر عليها المسلحون الذين يحلمون باقتحام حلب الغربية، تقول والأمل يحدوها دائماً :” رغم تقطيع أوصال حلب مازلت أشعر بها كاملةً بهية ” وتقول : ” حلب برجلٍ واحدة تنتظر الشجعان والعشاق كي يعيدوا لها رجلها الأخرى، تشرق الشمس من الشرق، وتغرب من الغرب، لكنها لم تعد تشرق من عندنا، صِرنا في حالة غروب دائم ” . وتقول : ” كنا نقرأ عن الحواجز في حرب لبنان، فصرنا في قلب الحرب ” و” باعة البسطات غزوا كل الشوارع، كلّ واحد منهم يحمل هموماً كثيرة تثقل كاهله، وحكاية حزينة عن بيته المسروق، ودكانه المدّمر، وأسرته المشرّدة” .
تضمّن الكاتبة قصصها بعض حكايا التراث القديمة، تقول عن طاسة الرعبة : ” تذكرتُ أنني اشتريت مجموعة من الأدوات النحاسية من سوق النخاسين في حلب القديمة، وأنني أمتلك طاسة الرعبة مزهرفة، قررتُ أن أشرب الماء من طاسة الرعبة كي أشفى من حالة الرعب التي تنتابني حين أسمع ضجيج الحرب “. تذكر بعض المعالم الأثرية في مدينتها حلب، مثل حمام ” يلبغا” عند قلعة حلب، وتصف زخارفه الرائعة، وتتساءل عن حاله في هذه الحرب، تستعرض أحوال الحانات كحانة الشونة من خلال تساؤلها عن أحوال مدينتها، تقول : ” خان الشونة إنه في منطقة اشتباكات في حلب القديمة، خان الشونة يتألق في ذاكرتي بدكاكينه المصفوفة على أطرافه بانتظام، تحتفي بالتراث الحلبيّ بكل أشكاله” .وتعبر عن آرائها كقولها :” معظم هواة الفن فقراء “.
تتحدث عن حلب القديمة، واحتراق سوقها، تذكر أمثال جدتها ” ليس لي فيه نصيب” ، ” مازلتُ أشم رائحة التوابل والعطور ؛ المسك ، العنبر، البخور، هل يمكن أن تختفي، ولا يبقى سوى رائحة الحريق ” . تذكر قلعة حلب ومهرجانات الغناء، تذكر سراديب القلعة وقاعة العرش التي فتنتها بعظمتها . وكأنّ الكاتبة في رحلةٍ تصف فيها ماتراه، وما تحبه، وما تعشقه، ولا يغيب الغناء عن كتابتها، فتستذكر أغنية ” شعبنا يوم الكفاح، فعله يسبق قوله، لا تقل ضاع الرجاء، إنّ للباطل جولة ” . وتؤكد الكاتبة ” ندى الدانا ” على تفاؤلها دائما، تقول : ” للباطل جولة وللحق جولات، للحزن جولة، وللفرح جولات، ولي جولات كثيرة في أزقة حلب وشوارعها، سأترك بصماتي في كل شبر منها ” .
وتقول : ” مازال هناك أمل، القلعة صامدة، ربما نعيد بناء الأسواق القديمة، ربما نبني بيوتاً أجمل من التي تهدمت، الذين قُتلوا سيعيشون في ذاكرة محبيهم، أصحاب العاهات سيكتملون بجمال أرواحهم وصبرهم، الذين شُردوا سيعودون إلى بيوتهم” . وتسأل : متى يتوقف الدمار والقتل كي أكتب للأغاني بدلاً من المراثي ؟؟
في قصة ” احتجاج ” تصف تعب موجّه اللغة العربية نتيجة حالةٍ نفسيةٍ، فقد أشرف على درس لأستاذ في اللغة العربية، وفوجئ بسماع أخطاء في اللغة يرتكبها الأستاذ وهو يعطي دروسه . نجد تأكيد الكاتبة على اللغة والتراث والهوية والحضارة .. ومحاورة طريفة بين ” كان وأخواتها ” و” إنّ وأخواتها” مع الموجّه وشكواهما له حول الأخطاء بالرفع والنصب والجر .. إنها دعوة إلى اللغة العربية الفصحى، إلى القواعد وبحور الشعر، إلى تذوق أدبنا العربي بكل جمالياته ..
وفي قصة ” الموت اللذيذ ” تتحدث الكاتبة عن حاويات القمامة المنتشرة في كل مكان، عن القذارة وتشويه الشوارع، فالحاويات كما تصفها الكاتبة ” حبلى بمحتوياتها حيث تنتشر الأمراض،وإن كنتُ لا أوافقها في هذا الوصف ” حبلى” لأنها رفعت من شأن القمامة عندما وصفتها بالحبلى، وهي تفصّل في وصفها لهذه الظاهرة فالحاويات موجودة والناس ترمي القذارة حولها لا ضمنها، الصفوف باردة بسبب الإهمال وقلة وسائل التدفئة، الطلاب كسالى يريدون النجاح من غير درس أو تعب، إجبار المعلمين على وضع نسبِ نجاح عالية، وإلا احتج الطلاب على المعلمين، واحتجت الإدارة أيضا، وقاحة الطلاب، وفساد الإدارات ..
تتمنى الكاتبة الموت في الحديقة العامة حيث تحبّ، تقول : ” ما أجمل الموت هنا! إنه موتٌ لذيذ ” ..رؤية الكاتبة تبدو من خلال الموت الذي يحقق لها السمو والرفعة، والحرية والسلام، تقول : ” تكاثرت الأزهار حول جسدي المدفون، تفرغتُ للتأمل، وللبحث ، سرحتُ بأفكاري، نسيتُ معهدي اللعين، نسيتُ حاويات القمامة، وكلّ المنغصات في حياتي، نسيتُ كلّ التافهين والمزعجين، فقد كنتُ مغمورةً بالأزهار الرائعة، أستلهم منها الأفكار، كتبتُ أجمل أشعاري، طارت كلماتي في الفضاء، انتشرت مع عبير الأزهار، ما أجمل موتي! إنه رائعٌ مدهشٌ .. إنه الموت اللذيذ .
وفي قصة ” عروة بن الشوك” مقارنة بين عروة بن الورد وعروة بن الشوك د، حيث تطرح الكاتبة حديثاً عن القيم والعادات والتقاليد والحب سابقاً ثم لاحقا .. كيف تغيرت المفاهيم والأفكار ؟؟
وفي قصة ” بين عالمين” سعيٌ لتأمين الرزق، ثم العودة إلى الوطن بصندوق فارغ، إلى القبر .
Discussion about this post