نبيه البرجي
الذي سقط من لعبة التاريخ (من لا يسقط في… لعبة التاريخ؟)، يراهن على لعبة الجغرافيا. هاجسه “سلطان البر وخاقان البحر”. لقب الباب العالي كان “سلطان البر وخاقان البحرين”. ما بالك حين يكون خاقان البحار الأربعة (المتوسط، الأسود، ايجة ومرمرة) ؟
الأميركيون الذين يتوجسون منه لأنه يرقص كثيراً خارج الخطوط الحمر بحاجة (استراتيجية) اليه. الروس الذين خاضوا نحو 18 حرباً مع العثمانيين أيضاً بحاجة (استراتيجية) اليه. اللعبة مثيرة وخطيرة في آن. قدري غورسل قال “كمن يلقي برأسه في ملعب لكرة القدم”.
تدريجاً، تلاشى حلم السلطنة الذي يبدأ من دمشق، ويمتد الى القيروان، مروراً بالفسطاط. عاد يطرق بيد مخملية الأبواب التي أراد الدخول منها بالدم. وراؤه “الاخوان المسلمون”، النيوانكشارية للنيوعثمانية. باب القاهرة وباب الرياض وباب أبو ظبي ، حاول أن يطرق باب دمشق وتراجع. لطالما اشتكى داخل الجدران من أن الأميركيين أقفلوا أمامه الطرقات الى السلطنة.
الأميركيون اياهم الذين يمسكون بمفترقات الطرق. سواء في المشرق والمغرب، كما في آسيا الوسطى والقوقاز (حيث العالم التركي). ماذا عن البلقان؟
اذا التقى بشار الأسد، لا بد للنيران الكردية أن تصل الى ثيابه. ما يقلقه: لماذا الآن؟ أجل لماذا الآن التفجير في أهم شوارع اسطنبول؟ أي تفجير كردي لا بد أن يكون مبرمجاً سياسياً واستخباراتياً!
رجب طيب اردوغان يقف مذهولاً. رفض التعزية الأميركية، لأنه يعلم من يمسكون بالبندقية الكردية، ومن على طاولاتهم الخرائط البديلة (خرائط ما بعد سايكس ـ بيكو) للشرق الأوسط، بما في ذلك تركيا…
لا أحد مثله يتقن اللعب في الزوايا. كل الاتفاقات وكل اللقاءات، حتى بين مستشاري الأمن القومي في كل من واشنطن وموسكو، تعقد الآن في اسطنبول.
لن نتحدث هذه المرة عن “ديبلوماسية الثعلب” أو “ديبلوماسية الثعبان”. تفجير اسطنبول يعني ما يعنيه. هل هو الخطوة الأولى نحو اخراجه من الموقع، ومن الدور، قبل أشهر من الانتخابات، وبعدما تسربت اليه معلومات تقول أن الأميركيين يبحثون عن خلف له؟
كيف لرجل انتقل من رئاسة البلدية الى رئاسة الدولة، وتلاحقه لوثة الضوء (والضوضاء) أن يذهب الى الظل، الذي وصفه أحمد داود أوغلو بـ “جدار المقبرة”، ألم يقل أوغلو عن رفيقه القديم… فليذهب الى الجحيم؟
من البدايات قال له فلاديمير بوتين “أمن تركيا من أمن سوريا”. دمشق أكثر حنكة، وأكثر شفافية في استيعاب أي خلل في الحالة الكردية. لم يفهم أن عاصمة الأمويين عصية على حصان السلطان، وتحتفي بود بحصان القيصر، كونه الصديق الذي لا يطعن في الظهر ولا في الصدر…
كم بدا ساذجاً حين راهن على تلك الحثالة البشرية التي كتبت على ظهورها، ومنذ نشأتها من حوالي القرن، كلمة “للايجار”. لا ندري اذا لاحظ أخيراً أن “الاخوان المسلمين” ظاهرة هجينة، وتمت برمجتها لانتاج ذلك النوع من حملة السواطير برؤوس… القردة!
ولكن ألم يكن هو من فتح حدود بلاده، وأبواب المنتجعات، وحتى الملاهي الليلية، أمام الآتين من كهوف تورا بورا، وهي كهوف العصر الحجري، من أجل تحويل دمشق وحلب وسائر المدن السورية الى ولايات عثمانية ؟ لبنان حتماً بعد سوريا…
انفجار له دلالته ودلالاته. المكان والتوقيت. اذ تمتد شبكة علاقات حقّان فيدان الى أجهزة الاستخبارات الأطلسية كافة، لا بد أن يستغرب الرئيس التركي كيف أن الذين دأبوا على تنبيهه لم يفعلوا ذلك الآن. أكثر من الاستغراب. قناعته أن الانفجار يستهدفه شخصياً، لا ذلك الشارع المركزي في مدينة الخلافة.
ساسة ومحللون أتراك يعتبرون أن الذوبان في الماكنة الأميركية لا يأتي الا بالكوارث، وربما بما هو أكثر من الكوارث. أسئلة كثيرة حول “ذلك الوضع الخطير”. ملايين اللاجئين الذين يشكلون عبئاً على الاقتصاد وعلى الأمن، وعشرات آلاف المقاتلين الذين قضيتهم لا تختلف عن قضية الذئاب.
متى يدرك اردوغان أن الأميركيين يلعبون الورقة الكردية ضد سوريا وضد تركيا، أيضاً وأيضاً؟ ليعد الى نصيحة القيصر: اطرق باب دمشق…
Discussion about this post