نبيه البرجي
أميركا، كاختزال للعبقرية البشرية، حين تغوص في ألغاز الكون، وحيث الدهشة الكبرى، تصدمنا حين تغوص في وحول الدنيا، وحيث الفجيعة الكبرى!!
هذه الأمبراطورية الأسطورية، المنهمكة في صناعة ما بعد الزمن، وما بعد التكنولوجيا، ربما ما بعد المفهوم (والأداء) الكلاسيكي للكائن البشري، كيف لها أن تتعامل مع الدول الأخرى، والمجتمعات الأخرى، وحتى الحضارات الأخرى، بطريقة الغانغستر؟
كل الحضارات بنيت، هكذا، على الدم. ثمة أمبراطوريات لم تترك وراءها سوى القبور، بما في ذلك قبور العشاق (تاج محل)، لكن الولايات المتحدة تمكنت من احداث انقلاب في أسلوب (وأساليب)، في فلسفة (وفلسفات) الحياة، ومن سروال الجينز، الى الروك اند رول، ومن طبق الهوت دوغ الى سكائر اللاكي سترايك، ومن الفورد أبو دعسة الى البوينغ…
الأبعد، والأكثر اثارة، ثورة الاتصالات التي قلبت مفهوم المسافة رأساً على عقب، والشبكة العنكبوتية التي تكاد تلغي، جينياً، كل تركيبنا السوسيولوجي.
هذه هي أميركا التي يدعونا البعض الى التعاطي معها كما لو أنها أمبراطورية ديزني لاند. جدلياً، يفترض أن نسأل “أي عالم اذا ما أقفل الستار على الأمبراطورية الأميركية؟” على هذا السؤال أجاب جيمس بايكر “لكأنها نهاية العالم”.
ما الحاجة هنا الى الأساطيل، والى الصواريخ العابرة للقارات، والى مآثر وكالة الاستخبارارات المركزية، لغزو العالم، وربما ما بعد العالم، اذا كان باستطاعتها أن تفعل ذلك بزجاجات الكوكا كولا، وبصوت مايك جاكسون، فضلاً عن الـ Fashion Doll باربي؟
بول كنيدي، المؤرخ الشهير، دعانا الى التنبه للحظة التواطؤ بين الشيطان والتاريخ، ليسأل ما اذا كان الأنبياء قد تمكنوا من الحد من صلاحيات الشيطان. جوابه “لآ” ما دام ذلك المخلوق العجيب قد انتقل، وراثياً، من تفاحة آدم الى سائر الأنواع البشرية.
البداية من الابادة، اللامبررة على الاطلاق. للهنود الحمر. حرق قراهم، وازالة أي أثر لتراثهم، ليقول جون بولتون، بكل ذلك الصلف، “لقد فعلوا ذلك من أجل أن يبدأ الزمن من
تلك اللحظة”. الزمن بدأ مع أميركا. كل الأزمنة الأخرى، وكما قال السناتور جون ماكارثي (داعية المكارثية)، “أزمنة الحثالة”.
اذًاً، لم تفعل قنبلة هيروشيما سوى أنها قتلت الحثالة. هذا ما حدث في كوريا، وفي فيتنام، وفي أفغانستان، وفي العراق (لماذا المسرح الآسيوي دائما؟). منذ أيام أبراهام لينكولن، وأميركا تسعى لادارة الكرة الأرضية. الرئيس الأميركي الذي حرر “العبيد” كانت له رؤية أخرى. رؤية السيد المسيح لا رؤية الكاوبوي الذي يرى في الدول الأخرى حانات خشبية، وينبغي اقتحامها بالبنادق…
لا ندري الى أي مدى أثّر الطهرانيون (البيوريتانز) الأنكليز، كورثة للتوراة، ومنذ رحيلهم، في منتصف القرن السابع عشر، الى الضفة الأخرى من الأطلسي. دراسات كثيرة تحدثت عن دورهم في تشكيل المنطقة الايديولوجية في العقل الأميركي، وحيث الالغاء الميكانيكي, وبنص الهي، للأخر.
استطراداً، لنتوقف عند ما يحدث على الأرض الأوكرانية. الولايات المتحدة تمتلك الصواريخ النووية التي باستطاعتها تدمير حتى مقر بطرس الأكبر في العالم الآخر، لماذا، اذاً، نشر صواريخ “كروز” في أوكرانيا، على قاب قوسين أو أدنى من أنف فلاديمير بوتين، ولماذا ابقاء تايوان السكين في خاصرة التنين؟
الأوروبيون يصرخون (غداً الأنين).”اذا كانت روسيا تهدد حدودنا، أميركا تهدد وجودنا”. الان السقوط الدرامي لليورو، واذ سقط بوريس جونسون، كظل لجدران البيت الأبيض، متى يسقط تاج الملكة اليزابت؟
الأمبراطورية اياها التي، بالمعجزة التكنولوجية، تمكنت من التقاط صور للمجرات التي تشكلت عقب الانفجار الكبير BIG BANG، ومنذ أكثر من 13 مليار سنة، تفعل في دول العالم ما فعله آل كابوني في شوارع شيكاغو.
كيف كانت نهاية الغانغستر؟ لعلكم تسألون كيف تكون نهاية الأمبراطورية؟ اقرأوا ما قاله بول كنيدي في “غروب الأمبراطوريات”…
Discussion about this post