نبيه البرجي
ونحن في الطريق الى الفراغ، وربما في الطريق الى الزوال، مثلما لا نستطيع المس بالنصوص المقدسة، وقد لعب بها الفقهاء (ولعبوا برؤوسنا)، لا نستطيع المس بنصوص الطائف، والطائفية، وقد عبث بها الساسة (وعبثوا بغرائزنا)، لتبدو وكأنها صيغت لتقديس الفساد ـ الوجه الديالكتيكي باللغة الماركسية ـ لثقافة الخراب…
بأمر ملكي يقول السفير البخاري ان وثيقة الطائف خط أحمر. للتو يهدد امام أحد المساجد بالحرب الأهلية اذا ما حاولنا تغيير ولو كلمة، ولو حرفاً، في الاتفاق لكأنه اتفاق لطائفة لا لكل الطوائف التي لم تتوقف يوماً عن حفر الخنادق كمدخل لحفر القبور…
لا ندعي أننا خبراء في القانون الدستوري، وان كنا نرى أن غالبية السادة الخبراء يضعون الفتاوى، والاجتهادات، بطريقة الدليفري. هكذا يبدأ السقوط السياسي، بالسقوط الأخلاقي، والسقوط الثقافي.
لكننا، على الأقل، نفهم في اللغة وفي تضاريس اللغة، ونفهم كيف أن ساستنا يتمتعون بالقدرة (الخارقة) على الخلط بين كونهم ملوك الطوائف وملوك المافيات. حتى وهم في أبراجهم العالية يبدون على شاكلة سكان الكهوف. حدقوا جيداً في أنيابهم… بعد تلك السلسلة الطويلة من المرارات، ومن الصدمات، ومن الأهوال، على امتداد العقود الثلاثة المنصرمة، لا مجال للمقارنة بين أي نص، ولو كان النص الملكي، والنصوص المنزلة. واذا كنا نعاني من الفوضى في التأويل الغيبي للمقدس، نعاني، ايضاً، من الفوضى في التأويل الملتبس للدستور…
في النصف الأول من سنوات الطائف، كان رؤساء الجمهورية ينتخبون، وكانت الحكومات تتشكل، برفة عين من غازي كنعان أو من رستم غزالي، وكان عبدالحليم خدام يدخل الى بيوت العديد من الساسة كما لو أنه يدخل الى ملهى ليلي (هل تريدون الأسماء؟).
في النصف الثاني تعثر في انتخاب رئيس الجمهورية، وفراغ يستدعي تدخل الطباخين الدوليين والاقليميين. تعلمون بطبيعة الحال مدى الزبائنية في تشكيل الحكومات التي تنتظر، أكثر فاكثر، الى أن تسقط الأسماء من المدخنة.
أين المهل، وأين الضوابط، في تلك المتاهة التي تدعى دستور الطائف، لكأنه وضع لانتاج الأزمات تلو الأزمات. في كل الأحوال، يا صاحب السعادة السفير، ويا صاحب الفضيلة الامام، اقرؤوا مليّاً مواد الدستور. على الأقل المادة 95 منه.
هكذا تتبينوا أنه دستور انتقالي من الجمهورية الثانية (باعتبار أن الأولى بين عامي 1926 و 1943 والثانية بين عامي 1943 و 1990 )، وحيث الدولة الطوائفية، الى الجمهورية الثالثة، وحيث دولة المواطنية.
واضح ما المقصود بالدفاع المستميت، والقابل للجدل وحتى للارتياب، عن الاتفاق الذي ولد منذ ثلث قرن، والذي مضى بنا أكثر من مرة الى تخوم الحرب الأهلية. نحن الجاهزون في أي لحظة للنزول الى الشارع، أو الى الخندق، ما ان ينفخ أحدهم، ولو كان من الرعاع، بالبوق الطائفي أو المذهبي.
أي تعديل في المشهد الطائفي أتى به الاتفاق الذي كان يفترض به أن يقودنا الى النموذج الاخر غير النظام التوتاليتاري. ما حدث هو التماهي بين المؤسسة السياسية والمؤسسة الدينية، لتكريس ذلك الكوكتيل العجيب، والبعيد عن منطق الدولة وعن أدبيات الدولة…
هل يدري رئيس الجمهورية المسيحي، والذي يفترض أن يمثل، مبدئياً، الحالة المسيحية في لبنان، ما هي صلاحياته، وأين تبدأ وأين تنتهي. وعلى سبيل المثال، ما هو دوره في تشكيل الحكومة؟ وهل ثمة من رئيس حكومة مكلف، في أي دولة في العالم، يعطى مهلة أبدبة للاتيان بحكومة، كما لو أننا في الزمن الضائع، بينما الآخرون يمضون، بخطى حثيثة، الى… ما بعد الزمن!
حتى الأسئلة محرمة. حين يكون الدستور ملتبساً، كيف لا تكون الدولة ملتبسة؟ فلسفياً، كل مواد الدستور تدور حول المادة 95 التي تنطلق منها الدولة اللاطائفية فاذا بنا نعود القهقرى. من الطائفية الى المذهبية.
Discussion about this post