نبيه البرجي
على مدى الأسابيع القليلة الماضية كان الخط الفاصل بين الحرب واللاحرب أوهى من خيط العنكبوت. أخيراً لاحرب. هل لأن أميركا رفعت اللهجة، وللمرة الأولى منذ دوايت ايزنهاور، في وجه “اسرائيل”، برفض أي تفجير عسكري في الشرق الأوسط أم لأن القيادة السياسي “الاسرائيلية”، وبعد لقاءات طويلة ومعقدة مع القيادة العسكرية، اعتبرت ألاّ مجال للتكهن بمدى تأثير الحرب على مستقبل “اسرائيل”؟
لا ريب أن “الاسرائيليين” ثابروا ومنذ عام 2006 ، على التفعيل النوعي لقواتهم، والى حد اجراء تغيير في البنية الفلسفية لهذه القوات. أيضاً، بذلوا جهوداً هائلة لتطوير الأداء السيبراني والعملاني لأحهزة الاستخبارات، مع تكثيف التعاون مع أجهزة خارجية، من أجل اختراق ذلك اللغز الذي يدعى… حزب الله!
ما يستشف من التعليقات “الاسرائيلية”، أن المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين أكدوا عل تحقيق نتائج هامة، ولكن ليعربوا عن اعتقادهم بأن الحزب أعدّ لمفاجآت ميدانية تزلزل الاحتياطي المعنوي لدى الجيش “الاسرائيلي”.
هذه المرة لم يكن هناك الجنرال شاوول موفاز ليقول ان الحرب ضد لبنان أقرب ما تكون الى “النزهة على ضفاف الكوت دازور”. جدعون ليفي رأ ى ضرورة الاقرار العلني بوجود معادلة “توازن الردع”. تالياً، حدوث تغيير في الرؤية الاستراتيجية لهيئة الأركان.
في هذه الحال، يفترض بنا، وبالآخرين أيضاً، أن يدركوا أن صفحة الحرب ضد لبنان قد طويت، وأن الترسانة البشرية (والعملانية) لدى الحزب أحدثت انقلاباً بنيوياً في المسار الاستراتيجي للشرق الأوسط. خذوا علماً بأن “اسرائيل” لم تعد بالدولة التي لا تقهر!
هذا ما حمل الأوساط الديبلوماسية على التساؤل ما اذا كانت نتائج انتخابات “الكنيست” في أول تشرين الثاني ستفضي الى فتح باب المفاوضات الموصد من سنوات بين الفلسطينيين و”الاسرائيليين”، ولكن بمفهوم مختلف.
هذا اذا تمكن الائتلاف الحالي من أن يفوز بالأكثرية. الصحف والشاشات “الاسرائيلية” تصف الانتخابات المقبلة بكونها الأكثر اثارة والأكثر حساسية في تاريخ الدولة، لأن الصراع لم يعد على المقاعد وانما على المفاهيم…
بطبيعة الحال، ثمة من يتخوف من تداعيات تبدل المشهد الاستراتيجي على المشهد السياسي والدستوري في لبنان. ما نعلمه أن حزب الله ضنين بالثوابت الوطنية (الجوهرية)، مع الوقوف بشدة ضد مساعي البعض لاعادة تركيب لبنان على أسس فديرالية أو كونفديرالية، وانطلاقاً من كانتونات طائفية.
لا شك في أن تجارب العقود الثلاثة المنصرمة، أي حقبة ما بعد الطائف، أظهرت وجود أكثر من خلل وأكثر من ثغرة وأكثر من التباس في مواد دستورية، ما يحول دون انتظام عمل المؤسسات السياسية في البلاد.
هذه المسائل تفترض المعالجة الفورية، اضافة الى احداث اصلاحات هيكلية باتجاه دولة الحوكمة والشفافية والتوازن (في الصلاحيات)، لا دولة الفساد ولا دولة الهشاشة ولا دولة “كل مين ايدو الو”.
أيضاً، ثمة من يبدي خشيته من تفاعلات الدور الأميركي في انجاز الترسيم، باحياء الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، في حين تمر العلاقات بين واشنطن والرياض في مرحلة رمادية قد تنطوي على الكثير من الاحتمالات على مستوى الاقليم. تساؤلات حول امكانية انعكاس تلك التفاعلات على اختيار رئيس للجمهورية في لبنان.
واقعاً، لا يعرف ما اذا كان موقف الأمير محمد بن سلمان موجهاً ضد ادارة جو بايدن بالذات أم ضد الولايات المتحدة التي تردد أكثر من جهة سياسية أو ديبلوماسية سعودية أنها لم تقدم أي خدمة استراتيجية للمملكة مقابل الخدمات الاستراتيجية “الهائلة” التي قدمتها المملكة.
لا رئيس في ظل التشابك الحالي. ماذا عن الحكومة؟ وراء الضوء صراع يخوضه أكثر من طرف حول من يكون صاحب الكلمة ابان الفراغ الرئاسي؟ ثمة من يقرأ التطورات والاحتمالات بعيون مقفلة.
لمصلحة من الفراغ في السلطة التنفيذية؟ دلالات السؤال قد تفضي الى تفاهم ربع الساعة الأخير….
Discussion about this post