ركز العديد من النقاشات في واشنطن وعواصم غربية أخرى في الأيام الأخيرة على التهديد المفترض للرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا، ردًا على التحديات التي تواجه ما يعتبره المصالح الوطنية الجوهرية لموسكو.
وبحسب مجلة “ذا ناشونال انترست” الأميركية، “ومع ذلك، وبينما نتأمل في شبح نشر روسيا لترسانتها النووية، والتي، كما تم تحذيرنا مسبقاً، قد تؤدي إلى أزمة الصواريخ الكوبية الثانية، نحتاج إلى تذكيرنا بأن قوة عظمى عالمية يمكن أن تشل قوة صغيرة أو متوسطة الحجم من دون اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية. بمجرد استخدام القوة الكاملة لأسلحتها التقليدية في أوكرانيا، ستجر روسيا واشنطن إلى نفس الوضع الذي وجدت نفسها فيه سابقاً بعد الغزو السوفيتي للمجر عام 1956، أي عندما خلصت إلى أن إنقاذ ضحية عدوان موسكو يتطلب تدخلًا عسكريًا أميركيًا مباشرًا. على عكس ما يُشاع، لم تكن الغارة الأكثر تدميراً في تاريخ البشرية هي تفجير الولايات المتحدة للقنبلة الذرية فوق هيروشيما وناغازاكي في اليابان، لكن الغارة الجوية بالقنابل الحارقة على طوكيو من قبل القوات الجوية الأميركية والتي دامت ليلتين في آذار 1945. كما وأسقطت الولايات المتحدة وحلفاؤها أكثر من 7.5 مليون طن من القنابل على فيتنام الشمالية خلال حرب فيتنام. في حين أنها تمكنت من دفع هانوي إلى مفاوضات السلام في عام 1972، إلا أن التفجيرات الأميركية فشلت في إجبار الفيتناميين الشماليين على الخضوع وتسببت في معاناة مروعة للسكان المدنيين. من هذا المنظور، لماذا قد يستخدم بوتين الأسلحة النووية قبل استخدام القوة الكاملة لسلاح الجو والأسلحة التقليدية الأخرى، بما في ذلك الصواريخ، من أجل إجبار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على الموافقة على صفقة من شأنها تأمين المصالح الروسية؟”
وتابعت المجلة، “سيتعين على بوتين أن يدرك أنه من الممكن أن يفشل قصف كييف وغيرهما من المراكز الحضرية الأوكرانية في جعل الأوكرانيين يخضعون، بالطريقة عينها التي لم يؤد فيها القصف الأميركي على هانوي إلى استسلام كامل للفيتناميين الشماليين. إن شجاعة الأوكرانيين في ساحة المعركة قد تدفع بوتين إلى التفكير في احتمالية استعدادهم للقتال حتى الموت. أو ربما، بالطريقة نفسها التي أُجبر فيها ميلوسوفيتش الصربي على الخضوع للمطالب الغربية في أعقاب الهجمات المحبطة على بلغراد وبريشتينا، سيواجه زيلينسكي الأوكراني ضغوطًا من شعبه للتوصل إلى صفقة مع الرئيس الروسي. بعد كل شيء، هل من المنطقي حقًا أن يقوم الشعب الأوكراني بالانتحار الوطني من أجل منع روسيا من احتلال أربع مقاطعات في الجزء الشرقي من البلاد؟”
وأضافت المجلة، “لا تمتلك أوكرانيا أسلحة نووية يمكن أن تهدد قوة عظمى عالمية مثل روسيا. حتى في ظل السيناريو الأسوأ من منظور روسيا، لن تتمكن القوات الأوكرانية من دخول موسكو وفرض حل سياسي للحرب على الكرملين. والسؤال الوحيد هو ما إذا كانت أوكرانيا ستمتلك القدرة العسكرية والإرادة السياسية لإجبار بوتين على الانسحاب من الأراضي الأوكرانية المحتلة. علاوة على ذلك، يعد استخدام الأسلحة النووية لأول مرة منذ عام 1945 اقتراحًا محفوفًا بالمخاطر قد يؤدي إلى رد عسكري غربي يمكن أن يشعل حربًا عالمية شاملة والاستخدام المحتمل للأسلحة النووية الاستراتيجية، ناهيك عن قلب المجتمع الدولي بأسره، بما في ذلك الصين والهند، ضد روسيا. ويسأل الخبراء العسكريون الغربيون أنفسهم لماذا لم تستغل روسيا، التي تمتلك أكثر من 1500 طائرة مقاتلة وخبرة واسعة في قصف أهداف في سوريا وجورجيا، ميزتها الرئيسية على أوكرانيا، أي قوتها الجوية، في القتال في أوكرانيا. قد يعكس فشل روسيا في تحقيق التفوق الجوي في أوكرانيا، كما يقترح بعض المحللين، افتقارها إلى الخبرة في استخدام القوة الجوية كأداة استراتيجية”.
وبحسب المجلة، “خلاصة القول هي أنه في حين أن القوات الروسية ستعاني بالتأكيد من العديد من الضحايا إذا شنت هجمات جوية ضخمة على أوكرانيا، فإن التكاليف بالنسبة لأوكرانيا وسكانها المدنيين ستكون باهظة. وأوضح بايدن ومساعدوه لموسكو أن هجومًا روسيًا على الدول المجاورة الأعضاء في الناتو من شأنه أن يؤدي إلى رد عسكري مباشر وأرسلوا إشارات إلى الكرملين بأن الاستخدام المحتمل للقنابل النووية التكتيكية سيكون مكلفًا للروس. ولكن ماذا سيكون الرد الأميركي إذا شنت روسيا حملة قصف جوي واسعة النطاق على المراكز الحضرية الكبرى والتي من شأنها أن تؤدي إلى أعداد متزايدة من الضحايا المدنيين مع صور الموت والدمار المتزايدة التي تُذاع يوميًا على شاشات التلفزيون والإنترنت؟ لنتذكر أن الصور المماثلة لضحايا المدنيين في البوسنة وكوسوفو أجبرت الرئيس بيل كلينتون آنذاك على توسيع التدخل العسكري الغربي في الحروب في يوغوسلافيا السابقة، وهي الخطوة التي عارضها في البداية. يمكن أن تدفع ضغوط مماثلة بايدن للتحرك نحو التدخل العسكري المباشر في الصراع، من أجل إنقاذ حياة المدنيين الأوكرانيين، على سبيل المثال، من خلال إنشاء منطقة حظر طيران في أوكرانيا”.
وتابعت المجلة، “بعبارة أخرى، قد لا يكون الوضع “الطبيعي” الحالي المتمثل في تقديم المساعدة العسكرية والاقتصادية لأوكرانيا دون الحاجة إلى نشر القوات الأميركية قابلاً للتطبيق على المدى الطويل إذا لم تكن هناك، كما يبدو، علامات على وجود اتفاق دبلوماسي في الأفق. لكن بما أن الحرب في أوكرانيا تهدد بالتوسع حيث يهاجم الأوكرانيون أهدافًا داخل المناطق التي ضمتها روسيا، مما قد يؤدي إلى رد عسكري روسي أكثر تدميراً، فقد يجد بايدن وحلفاؤه في الناتو أنفسهم في موقف يكون فيه الخيار الوحيد المتاح لهم، إذا كانوا يريدون حماية الشعب الأوكراني، هو التدخل العسكري المباشر في الحرب. إذا حدث ذلك، وبدأت الولايات المتحدة تعاني من خسائر بشرية في أوكرانيا وعودة الجنود إلى وطنهم في أكياس جثث، فقد يكون لذلك تأثير كبير على الرأي العام والكونغرس، خاصة أن هذا التصعيد سيشعل عندئذ مخاوف من اندلاع حرب عالمية باستخدام الأسلحة النووية. تعتبر مقارنة الحرب الحالية في أوكرانيا بأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 شكلاً من أشكال الكسل الفكري. فالولايات المتحدة وحلفاؤها لم يهددوا روسيا باستخدام الأسلحة النووية وأصروا على أنهم لن يتدخلوا مباشرة في الحرب باستخدام الأسلحة التقليدية”.
وختمت المجلة، “من المحتمل أن تكون استراتيجية بوتين الآن هي إجبار إدارة بايدن، وبالتالي الكونغرس والجمهور الأميركي، وكذلك حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيون، لتقرير ما إذا كانوا على استعداد للمخاطرة بمواجهة مباشرة مع روسيا في أوكرانيا أو التراجع والبدء في الضغط على أوكرانيا لعقد صفقة مع موسكو”.
“لبنان 24”– ترجمة رنا قرعة
Discussion about this post