نبيه البرجي
ما أجواء الكي دورسيه عشية زيارة كاترين كولونا لبيروت؟ زميل يمضي ساعات، أسبوعياً، في أروقة، وكواليس، وزارة الخارجية الفرنسية، نقل لنا ان الخوف على بقاء لبنان ازداد، على نحو مروّع، في هذه الأيام. أيضاً قلق في الاليزيه لأن التقارير التي تصل الى الرئيس ايمانويل ماكرون تحذر من أحداث خطيرة تهدد لبنان…
كلام عن الصراعات المتشابكة، والعبثية، التي غالباً ما تدار من الخارج، أي من مصالح (وأمزجة) متناقضة. البعض يراهن على الصوملة، كانعكاس لفوضوية، وضبابية، النزاعات الاقليمية. والبعض يخطط لاعادة هيكلة السلطة اللبنانية وفقاً لتلك المصالح، بالتجاذبات القبلية، أو الايديولوجية، أو الاستراتيجية.
هذا ما جعل لبنان يصاب بنوع من “الاحتقان الجيوسياسي”، أو “الاحتقان الجيوطائفي”، الذي اما يفضي الى الحرب الأهلية، أو الى تدخل عسكري لا يمكن لأحد أن يتكهن بما يمكن أن يفعله بهذا البلد أو بالمنطقة.
على هذا تراهن اسرائيل. حتى وان اندلعت الحرب، التركيز سيكون على التفجير الداخلي. هناك، دائماً، من هو جاهز لمد الطوائف، والأحزاب، وحتى النازحين، بالمال والسلاح من أجل اشغال، او ارباك، “حزب الله” في ذلك المستنقع، وهذا ما تدركه قيادة الحزب التي على بيّنة من السيناريوات الجهنمية التي أعدّت للبنان وسوريا…
باريس التي تعاني من الشيزوفرانيا السياسية (الغضب من أميركا والمزايدة عليها في المسألة الأوكرانية)، بعثت برسائل الى بعض القادة العرب. منهم من يلعب في وضح النهار على الساحة اللبنانية، ومنهم من أدار ظهره لبلد تتراكم فيه الأزمات المستحيلة. هذه الرسائل تعتبر أن أي تفجير داخلي أو خارجي للبنان لا يمكن أن يبقى داخل حدوده. الحرائق ستمتد الى بلدان أخرى.
تعليقات الباحثين، والكتّاب، الاسرائيليين تكاد لا تخلو من الاشارات ليس فقط الى اعادة تركيب لبنان، بل والى اعادة تركيب المنطقة. هذا التوجه الذي تبلور أكثر فأكثر في ادارة جورج دبليو بوش، وقد ضج بتلك الثلة من الضباع (ديك تشيني، بول ولفوويتز، جون بولتون، ريتشارد بيرل، دوغلاس فايث…).
هؤلاء كان يصفون الخارطة الحالية للشرق الأوسط بـ “الخارطة الانكليزية الحمقاء”، ما يستدعي تغييرها والا فان شيئاً ما ينتظر المصالح الأميركية هناك.
بالرغم من التشابه بين الرؤوس الاسرائيلية، دعونا نأخذ بالاعتبار أن عودة بنيامين نتنياهو الى رئاسة الحكومة بمثابة عودة الشيطان. ماذا اذا اعقبت ذلك عودة دونالد ترامب الى البيت الأبيض؟
لبنان، في هذه الأيام، داخل الدائرة الحمراء. ثمة قوى سياسية تمضي ساعات وساعات في القراءة الدقيقة للاحتمالات، مع رصد كل المواقف الاسرائيلية، والدخول في خلفياتها القريبة والبعيدة. كذلك المتابعة المجهرية للاهتمامات الأميركية، الراهنة والمستقبلية، وما هي نظرة الادارة الى المسارات السياسية، والعسكرية، في المنطقة، مع الأخذ بالاعتبار التداخل بين رؤية بعض الحكام العرب ورؤية الصقور في اسرائيل.
كل شيء على الطاولة. لا شك في أن زعيم الليكود أكثر براعة من يائير لابيد في اللعب على الخشبة. لا يزال رهانه كبيراً على استدراج الولايات المتحدة الى عملية جراحية واسعة النطاق في الشرق الأوسط.
وبالرغم من كل الضجيج الذي يثيره حوله، لن يلجأ الى الخيار العسكري دون أميركا، وهو الذي يعلم رأي رئيس هيئة الأركان آفيف كوخافي الذي يعارض أي عمل عسكري ضد لبنان، أو دفع الأمور في هذا الاتجاه. اعطاء الأولوية للمفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية.
ليس لبنان وحده الذي يدور في الدوامة (وهنا دوامة الفراغ وسط سلسلة من الأزمات القاتلة). اسرائيل أيضاً في دوامة الخيارات الصعبة، بتقاطع ذلك مع الصراع بين القوى حول الأكثرية، أو حول تشكيل الحكومة العتيدة، وهو ما يثير قلق من يعتبرون أنها ليست في وضع يمكنها من التعامل بواقعية مع التطورات العاصفة ان على مستوى الاقليم أو على مستوى العالم.
شعار نتنياهو “عدم الاستسلام لقبضة نصرالله أو لاصبعه”. شعار لابيد “الابتعاد عن الولايات المتحدة، في هذا الوقت بالذات… انتحار”.
الأميركيون قالوا كلمتهم. لا حرب ضد لبنان. لكأنها الحرب ضد أميركا…
Discussion about this post