يتقدّم وزير أردني أسبق وفاعل حاليا في المستويات الاستشارية فجأة باقتراح مثير أمس الأول يخاطب فيه ضمنا الادارة الامريكية للملف السوري وفكرته غير المباشرة هي تقديم نافذة من المساعدة لسوريا حتى تتمكّن من التملّص أو التخلّص من سطوة ونفوذ الإيرانيين تحديدا.
قرأ الدكتور محمد المومني وهو عضو حاليا في مجلس الأعيان الأردني ومرشح قوي لواحد من موقعين اساسيين قريبا معطيات الضربات العسكرية الاسرائيلية المتواصلة أما على مطار حلب أو على العمق السوري لكن ضمن سياق قراءة أردنية أعمق هذه المرة.
ونشر المومني مقالا أثار نقاشا نخبويا وفكرته الضمنية فتح نافذة للمساعدة النظام السوري اقتصاديا بدلا من تركه نهبا للسطوة الاسرائيلية، الأمر الذي يقود إلى تصعيد إسرائيلي بالنتيجة.
مقالة المومني عن تغيير في سلوك سورية يستدعي النظر في قانون قيصر تضمن بوضوح القول بأن إيران بدأت باستخدام المطارات لنقل الاسلحة وصولا للمتوسط ولبنان وأنها تستخدم الهلال الإيراني بكُل يُسر وسهولة لتطبيق اهداف سياستها الخارجية.
وأن سلوك سورية عندما تطلب من الإيرانيين تجنّب شن هجمات من اراضيها مؤشر على تحول مهم معناه أن دمشق راغبة في الحفاظ على مصالحها وسيادتها.
وبالتالي العالم معني الآن بمكافئة سورية التي تسعى لترسيخ سيادتها واستقرارها وبإبعاد سورية عن ايران ومنحها قليل من الاوكسجين وتشجيعها وقد يكون الوقت مناسب هنا لإعادة النظر بعقوبات قانون قيصر الاممية والامريكية خصوصا وأن أهداف هذا القانون المعلنة في المدى المنظور لن تتحقق والواقعية السياسية تحتم مراجعته في سياق تقييم موضوعي يخدم قواعد الاشتباك من خلال سورية مستقرة يمكن ردعها.
دعوة المومني كانت مباشرة وتنسجم مع المعايير الاردنية هذه الايام لتخفيف آليّات المراقبة الأمريكية لتطبيقات قانون قيصر الأمريكي حصرا وعلى أساس أن أي تسهيلات للدولة السورية في هذا المحور تساعدها في التخلي ولو بالتدريج عن الحضن الايراني.
يعكس ما قاله المومني عمليا قناعة الدولة العميقة الأردنية بعدة مسائل مفصلية عندما يختص الامر بالملف السوري.
الأولى هي القناعة بأن الضغط الاقتصادي الذي يحيط مع المعيشي بالداخل السوري تستفيد منه ايران فقط فتحكم سيطرتها اكثر على مناطق محددة داخل سورية.
والقناعة الثانية أن التشدد في قانون قيصر هنا يؤذي الشعب السوري ودول الجوار ويخدم النفوذ الإيراني ولا يحدث فارقا بعد تطبيق قانون قيصر لسنوات طويلة على النظام السوري نفسه .
والخلاصة الثالثة هي أن الملف السوري سيبقى عالقا مادامت اسرائيل تضرب بين الحين والآخر في سياق الصراع الإيراني الاسرائيلي.
وهو وضع أصبح محرجا لجميع الأطراف خلافا لأن طهران تستغله بكفاءة أيضا فيما لا تبدو تل أبيب معنية لا بحسابات النظام السوري ولا بالحسابات الامريكية أو الأردنية.
الانطباع عموما وسط الألغاز التي اثارها مقال الدكتور المومني عند النخبة الأردنية هو ان رسائل تصل عمان من دمشق وتفيد بأن سورية مختنقة بالنفوذ الإيراني وبأن دمشق تطلب بصورة غير مباشرة تخفيفا لإجراءات الحصار الاقتصادي الذي تسبّب بأزمة معيشية حادة حتى تتمكن من اظهار ولو قدر من الاستقلالية عن الايرانيين الذين يدفعون لسورية مالا وفيرا حسب معلومات عمان.
طبعا الاردن أيضا متضرر من تطبيقات قانون قيصر وبسببها تراقب الملحقية التجارية في السفارة الأمريكية في عمان كل صغيرة وكبيرة تعبر حدود الاردن أو تعبر اليها من بضائع ومنتجات عبر المعابر الحدودية بين البلدين فيما أظهر النظام السوري مؤخرا مرونة ملموسة للأردنيين في حربهم المعلنة ضد المخدرات التي يتم تهريبها الى العمق الاردني.
المؤسسات السورية قدمت معلومات للأردن خلال الشهرين الاخيرين أدت الى تفكيك عصابات مخدرات مسلحة ومخازن للحبوب المخدرة في المملكة واعتبر هذا التعاون الاستخباري النادر بمثابة تمهيد لنفي السلطة السورية تورطها في دعم تجارة المخدرات وايحاء ضمني بان مصانع الحبوب المخدرة في الاراضي السورية الجنوبية حصرا خارج نطاق سيطرة الجيش العربي السوري لا بل بقيت عمان اقرب الى القناعة بان ميليشيات تمولها إيران وترعاها هي الناشطة في مجال تهريب المخدرات.
وتلمّس الأردنيون في هذا الملف حرصا من الجانب السوري النظامي على التعاون في المعلومات ونفي اتهامات التورط والسعي لإعادة بناء الثقة ولذلك نقلتن رسائل من بعض الشخصيات البارزة في دمشق تطلب المساعدة في مسالة الانفكاك من النفوذ الايراني.
وهو نفوذ في الداخل السوري يتفق الطرفان الاردني والسوري على ان اليمين الاسرائيلي من جانبه يستغله بالاعتداء مرة تلو الاخرى نكاية بالإيرانيين وفي إطار حسابات تل ابيب التي لا تراعي الامن الاقليمي وهدفها النهائي الابعد صناعة لأزمة ومواجهات صدامية عسكرية في المنطقة ضد ايران.
لذلك وفي إطار مثل هذا التعقيد يمكن قراء مقال المومني المثير باعتباره عندما كان وزيرا للإعلام خمس سنوات من أشد المشككين بالأجندة الإيرانية ومن أبرز دعاة فكرة وجود دولة سيادية سورية قوية ومتينة على الطرف الآخر على الحدود مع الأردن لرعاية مصالح المملكة بدلا من الوضع الحالي الذي تتواجد فيه ميليشيات تُدار عملياتها بأوامر من طهران.
دعوة شخصية أردنية ستصبح بارزة جدا قريبا اكثر مثل المومني إلى تخفيف حدة تطبيقات قانون قيصر الامريكي تعبير مباشر عمليا عن أولويات وبوصلة ورؤية المؤسسات الأردنية العريقة لتأثيرات سلبية اعمق لقانون قيصر لا يريد الأمريكيون الالتفات لها الآن.
عمان ـ”رأي اليوم”
Discussion about this post