نبيه البرجي
ذاك العالم العجائبي وراء الظل! حين يستشف من تعليقات أميركية أن جو بايدن، وأثناء محادثة الساعتين مع شي جينبينغ، حاول الايحاء للرئيس الصيني بأن يضطلع بدور الوسيط بين واشنطن وموسكو لانهاء دوامة الدم في أوكرانيا، بعدما تبيّن له أن الوقت قد يكون بدأ يعمل في اتجاه آخر.
«جمهورية زيلنسكي» تتفكك قطعة قطعة. البلدان الأوروبية تستشعر آفاق أزمة اقتصادية قد لا تقلّ هولاً عن أزمة عام 1929.
لم يعد الهاجس الأميركي اليومي فقط في الارتفاع الدراماتيكي في معدلات التضخم، وفي الدين العام، أيضاً في جنون الأسعار، انه شبح الركود الذي تقول «الايكونوميست» انه يدق بأسنانه على الباب، وان كان بعض الصقور في الحزب الديموقراطي يرون في استمرار الحرب الورقة الذهبية الوحيدة في يد الحزب كيلا يكون السقوط المدوي في صناديق الاقتراع.
جينبينغ وحده يستطيع اقناع فلاديمير بوتين بوقف الحرب، واعادة الأراضي مقابل الغاء العقوبات. والأهم، على المستوى الاستراتيحي، بقاء كييف خارج حلف الأطلسي، وتجميد المسار الخاص بكل من السويد وفنلندا للانضمام اليه.
مفكرون روس من قبيل ألكسندر دوغين يعتبرون أن الحرب، وبالرغم من الخسائر البشرية والمادية الهائلة، كانت تجربة ضرورية في بث شكل أكثر فاعلية من الديناميكية التي تحتاج اليها روسيا في دورها الجيوستراتيجي والجيوسياسي عبر العالم.
انبعاث عاصف للروح القومية، خروج الجيش من حالة الصدأ داخل الثكنات الى الخنادق، وحيث العمليات الميدانية البالغة التعقيد تصنع جيلاً رائعاً من الجنود والضباط. ناهيك بالرصد الدقيق لأداء الأسلحة على الأرض، تبياناً لنقاط الضعف، ولنقاط القوة، ما يدفع في اتجاه التطوير النوعي للترسانة العسكرية.
بمعنى آخر، روسيا كانت بحاجة الى ما حدث وما يحدث، منذ 24 شباط الفائت، واذا كان الغربيون يعتبرون أن اطالة أمد الحرب يستنزف الروح الروسية، يرى الكاتب الفرنسي أوليفييه روا أن أوروبا تبدو الآن من دون روح. الأميركيون الذين يعانون من الاعتلال البنيوي في المفاصل الرئيسية للأمبراطورية يخشون من أن تؤدي أي هزة اقتصادية، أو اجتماعية، الى زلزال داخلي…
جينبينغ يعلم أن البيت الأبيض، وكذلك الكرملين، بحاجة الى وساطته بالذات، وهو الذي يراهن على علاقات وثيقة مع الطرفين، وان لأغراض مختلفة، بعدما تمكن من احتواء قيادات حزبية وعسكرية، ترى أن هذا هو الوقت المثالي لاستعادة تايوان من أحفاد تشان كاي تشك .
التنين بقبعة المهرج ؟ استعادة تايوان في آخر أولوياته. غزوها يعني أن أبواب التكنولوجيا الأميركية ستوصد في وجهه، بالتداعيات الكارثية على الايقاع النوعي للصناعة الصينية. كذلك اقفال الأسواق الأميركية والأوروبية، الأكثر استهلاكاً للمنتجات الصينية. قطعاً التنين لا يريد، في أي حال، الموت البطيء داخل السور العظيم.
الأميركيون يدركون ذلك. عيونهم، وكما قال روبرت ماكنمارا، تخترق أحياناً، ما وراء العالم الآخر. قضية تايوان ليست أكثر من كوميديا راقصة فوق الماء، وغالباً ما تستخدم لأغراض تكتيكية. اهتمامهم يتركز على تفادي أي توتر مع الصين قد يدفعها الى الانتقال من التنسيق الاستراتيجي (النظري) مع روسيا الى التنسيق العملاني…
هكذا تلعب الأمبراطوريات. دائماً وراء الأقنعة، ومن زوايا خادعة. المؤرخ البريطاني ادوارد غيبون، صاحب «تدهور الأمبراطورية الرومانية»، تحدث كثيرا عن المناطق الهشة، وحتى المناطق الغبية، في رؤوس الأباطرة.
الهشاشة، أي القابلية الميكانيكية للانكسار، في البنى اللامرئية للأمبراطوريات، بما في ذلك الأمبراطورية الأميركية، والأمبراطورية الصينية، مع الفارق النوعي بين الاثنتين.
غيبون يستنتج أن الأمبراطوريات، وحين تصل الى نقطة ما من الذروة، تصاب بالبارانويا التي سرعان ما تتحول الى عاصفة من الجنون. الانفجار حتمي وضروري، لاعادة انتاج التاريخ، وربما لاعادة انتاج البشرية بطريقة أخرى. ماذا يحدث الآن…؟!
Discussion about this post