نبيه البرجي
ربما فاقت التراجيديا العراقية التراجيديا الاغريقية، بضجيجها وبسوداويتها. الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي قال لنا، في منزله في بغداد، بالجدران العالية التي تعزلك عن العالم، وحيث تشعر بأنك في الاقامة الجبرية، “كيف لا نكون أباريق مهشمة (وهذا عنوان أحد دوواوينه ( ما دمنا نحمل في وعينا، وفي لاوعينا، دم الحسين؟”.
باحثون في الأنتروبولوجيا العراقية عزوا البعد الحزين في الموال العراقي، كنقيض (سوسيولوجي) للموال المصري المرح، الى كون الفرات يفيض في تموز جارفاً معه المحاصيل . النيل يفيض في آذار حاملاً معه الطمى …
من هنا مرّ الموت الذي قهر فكرة الخلود عند جلجامش في الأسطورة السومرية الشهيرة . أيضاً، مرّ هولاكو والحجاج بن يوسف الثقفي. في زمننا، عبد الكريم قاسم وصدام حسين .
لماذا كل ذلك العشق للدم؟ أجابنا البياتي “ضع حمورابي وهارون الرشيد والمأمون جانباً . على مدى الأزمنة الأخرى، ترعرعنا على ضفاف الدم”. حتى الآن، العراقيون ما زالوا يترعرعون على ضفاف الدم …
” أهل الشقاق ؟” . ونستون تشرشل كان وراء توحيد ولايات بغداد والموصل والبصرة. لا لاخماد الحرائق الطائفية والاتنية، ولطالما احترف الانكليز تقطييع الخرائط بالسكين، وانما لتوحيد مرجعية النفط .
كل شيء يوحي بالتفجير المبرمج للعراق. في أحسن الأحوال لاقامة فديرالية تكون مدخلاً للفديرالية في سوريا ولبنان، وربما في بلدان عربية أخرى .
شخصية شيعية عراقية قالت لنا “أنظر في عيون المتظاهرين أكانوا من التيار (الصدري) أم من الاطار (التنسيقي). هذه أيام عاشوراء، بكل ايحاءاتها، كما لو أنهم يثأرون من أنفسهم بسبب مصرع الحسين على أيدي آبائهم بالدرجة الأولى. من هنا كانت دعوة بعض المرجعيات للحد من الضجيج الجنائزي للحدث، بمفاعيله السيكولوجية الهائلة، وتحويله، كما عند المسيحيين، الى بشرى بالقيامة، وان بمعنى آخر للقيامة”.
مشكلة الشيعة في العراق كونهم بقوا، لقرون، على هامش السلطة، بل كأعداء، وكضحايا، للسلطة. هم مجتمع الثورة لا مجتمع السلطة. من هنا كان انقضاضهم على الدولة، مع الغزو الأميركي، الانقضاض على الفريسة. لا مفهوم، ولا تراث، للدولة في ذاكرتهم، وان كان مفهوم العديد من الساسة السنّة للدولة أقرب ما يكون الى مفهوم الحجاج بن يوسف.
كل الرياح الاقليمية، والدولية، تلعب بشيعة العراق. ابان العهد السابق، التقيت، في دمشق، برجل دين عراقي يقود جماعة مناوئة للنظام. عقب حوار طويل، ومرير، سئلت رأيي به. قلت “صدام حسين، ولكن بعمامة” . في كل سياسي عراقي شيء من صدام حسين …
ولكن على ضفاف دجلة، لا تجد فقط تمثال أبي نؤاس يغريك بكأس أخرى. أناس بمنتهى الرقة، والرهافة، في لغة الأحاسيس، على وقع المواويل، أوعلى وقع قصائد بدر شاكر السياب، أو على وقع أغنيات ناظم الغزالي أو مائدة نزهت.
من يعلم ماذا يريد مقتدى الصدر، بالشخصية العبثية؟ كل رصيده، اضافة الى الارث العائلي ـ وهو الأساس ـ شعارات براقة، وموسمية، دون أي رؤية استراتيجية واضحة ؟ وماذا يريد نوري المالكي، بالشخصية الحديدية، وبالحاشية التي احترفت كل أشكال الفساد ؟
ثم لماذا محمد السوداني في هذه الظروف الضبابية، وليس مصطفى الكاظمي كنقطة تقاطع (ونقطة توازن) بين الدور الأميركي والدور الايراني، والذي لاحظنا أنه باعتداله، وبواقعيته، وبانفتاحه، يمكنه، بالتعاون مع الأطياف الأخرى، بلورة خارطة طريق لعبور هذه المفترقات الخطيرة، وتكريس منطق الدولة، وفلسفة الدولة، بدلاً من حالة التيه والتشتت .
معلومات متلاحقة حول جهات داخلية وخارجية لا تراهن بل تسعى لاضرام حرب شيعية ـ شيعية، وقد تكون على الأبواب، وان بدا بعض قادة “الاطار التنسيقي”، ربما بايعاز من الضاحية (الضاحية الجنوبية التي لها تأثيرها الفاعل جداً)، يفكرون برؤوسهم، لا بأقدامهم، كي لا يتحول العراق الى حطام.
الأولوية للغة العقل، والتعقل، حتى لا تبقى أرض الرافدين، وكما يدفع التاريخ، على … ضفاف الدم !
Discussion about this post