نبيه البرجي
الثلاثة في صورة واحدة، وتحت سقف واحد، أين؟ في طهران. هذا ما يثير الاستغراب. أليس كذلك…؟
غراهام فوللر، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، تعامل مع الصورة من زاوية أخرى. اذ لاحظ أنها تجسيد لنظرية صامويل هنتنغتون حول “صدام الحضارات” كما لو أن فلاديمير بوتين، الأرثوذكسي، لا ينتمي الى “الحضارة المسيحية”، اعتبر أن الثلاثة بدوا كما لو أنهم يغتالون التاريخ “من أجل اللحظة”. اللحظة التكتيكية بطبيعة الحال.
متى كانت العلاقات مخملية، لا دموية ولا صاخبة، بين القيصر والسلطان؟ ومتى لم يكن الفرس ضد العثمانيين، حتى أنهم تحوّلوا الى المذهب الشيعي كي لا يذوبوا في التسونامي العثماني، خصوصاً بعد سقوط القسطنطينية على يد محمد الفاتح (1453)، وتمدد السلطنة الى العمق الأوروبي كما الى العمق الآسيوي؟
ولكن، اذا كان هنتنغتون قد قال بالصدام بين الحضارتين اليهو ـ مسيحية والكونفو ـ اسلامية، أليس من المستغرب ألاّ يظهر شين جينبينغ في الصورة بدلاً من أن يختبئ وراء الزجاج؟
التنين اذ يخشى خسارة السوق الأميركية الهائلة (بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين من كانون الثاني من هذا العام حتى نيسان 245.73 مليار دولار)، والتي قد تكون الأساس في النمو الصاعق للصناعة الصينية، لا بد أن يصاب بالصدمة القاتلة أذا أقفلت في وجهه أبواب التكنولوجيا الأميركية.
ولكن مثلما تخشى بكين من واشنطن، تخشى واشنطن من أن يؤدي تعثر العلاقات مع بكين الى انتقالها الى “المعسكر الروسي”، حينذاك يحدث الزلزال الاستراتيجي الذي لا يزعزع المعادلات الدولية فحسب، بل ويهدد قيادة أميركا للكرة الأرضية، ويؤسس لنظام عالمي متعدد الأقطاب.
حتى الساعة، التنين يتعامل برؤوس أصابعه مع المشكلة الأوكرانية. تعاونه الاستراتيجي مع الروس يقتصر على “التعليقات الفلسفية”، أو على التعليقات الديبلوماسية، ناهيك عن مضاعفة حجم المستوردات النفطية الروسية بأسعار مغرية، مع التوجه الى المحاولة المتعرجة لاقامة سوق دولية موازية يحل فيها اليوان والروبل محل الدولار الأميركي.
كثيرون استهجنوا أن يجد الثعبان مكاناً له بين فلاديمير بوتين وابراهيم رئيسي، وفي طهران بالذات. هنا يسأل فوللر اذا كانت لعبة المصالح قد حلت محل لعبة الايديولوجيات، كعربة تستخدم لأغراض جيوسياسية وجيواستراتيجية…
براغماتياً، الأولوية للعبة المصالح (ولثقافة السوق)، اذا أخذنا بالاعتبار أن رجب طيب اردوغان يمسك بمفانيح البحر الأسود، وهو حالياً مسرح الصراع بين البيت الأبيض والكرملين، كما أن تركيا تشكل الرئة الخلفية للاقتصاد الايراني الذي يعاني الأمرّين من العقوبات الأميركية.
لكن الرئيس التركي الذي فشلت كل رهاناته الايديولوجية والاستراتيجية لاعادة احياء السلطنة، يلاحقه الهاجس الكردي الذي يهدد حتى بتفكيك جمهورية أتاتورك. الأميركيون لم يكتفوا بتزويد الأكراد في سوريا، والكثيرون منهم لاجئون من تركيا، بأحدث الأسلحة، بل نفخوا فيهم الروح القومية، ودرّبوا الآلاف منهم على اصعب أنواع القتال، ليشكلوا قوة ضاربة.
هكذا يمكن أن يواجهوا القوات التركية التي تحاول الانتشار على شريط حدودي في العمق السوري يكون بمثابة الجدار الحديدي أمام المقاتلين الأكراد، كما يمكّن اردوغان من ألاّ يخرج بعباءة فارغة من الملف السوري.
الأكراد اياهم الذين تقودهم الرياح (وعبر العصور)، كما قال لنا أحد معاوني عبدالله أوج الآن. الرياح اياها جعلتهم يدخلون في السيناريو الرامي الى تجزئة سوريا، وهم الذي تقلدوا أعلى المناصب في الدولة. ها هم يرفعون الآن صور الرئيس بشار الأسد في مناطقهم، بعدما لاحظوا أن أميركا قد تبيعهم مثلما باعت الكثير من أتباعها في أمكنة شتى من العالم.
في كل الأحوال، القمة الثلاثية في طهران أثارت بعض القلق، لا كل القلق، لدى الادارة الأميركية، إما لأن اردوغان يشبه رقاص الساعة أو لأن التنين سيبقى يختبئ وراء الزجاج…
Discussion about this post