نبيه البرجي
تعقيباً على مقالتي الأخيرة “ايران نحو الواقعية الاستراتيجية؟”، اتصل بي مستشار في رئاسة الحكومة العراقية. قال “المقالة بقدر ما هي قريبة من الحقيقة، ومما يجري وراء الأبواب الموصدة، تبدو بعيدة، أحياناً، عن الاحاطة بالاحتمالات، كون كهنة الغيب وحدهم يمكن أن يحددوا شكل احتمالات هي رهينة صراعات سريالية. وهذه هي الخارطة الفلسفية، والخارطة اللاهوتية، للشرق الأوسط بآلهته، وبأنبيائه، وحتى بـ… شياطينه”!
أضاف “لعل ميزة مصطفى الكاظمي درايته بما يجول في رؤوس الأميركيين وفي رؤوس الايرانيين، على السواء. لا بل أن الأميركيين يقولون له ما لا يقولونه للآخرين”.
“باقتضاب، هكذا يختزلون وضعهم “على خط التماس بين الجنون الاسرائيلي والجنون الايراني”. حتماً يعارضون، خصوصاً في الظروف الراهنة التي يمكن أن تحدد مسار (ومصير) الشرق الأوسط، وقوع أي انفجار اقليمي، وقد لاحظوا، بعدما أعدّوا حقائبهم للرحيل، مدى فاعلية النفط في صراعهم على قيادة العالم”.
“الأميركيون يصارحوننا بأن مشكلتهم في حلفائهم الذين لديهم هواجسهم، ومصالحهم، الشائكة والمتشابكة، أكثر منها في أعدائهم. الاسرائيليون يضغطون بكل امكاناتهم من أجل اسقاط نظام آية الله خامنئي، دون أن يأخذوا بالاعتبار، والاعصار الايديولوجي في ذروته، أن البديل قد يكون على شاكلة هبة الله أخوندزاده”…
“لا مجال لاقناع الاسرائيليين بأن يكونوا أكثر واقعية، وأكثر رؤيوية، في صياغة السياسات. هم يسعون الى اقامة منظومة استراتيجية بقيادتهم من أجل مواجهة ايران التي لا يستبعد الأميركيون أن تكون أكثر تشدداً في المرحلة المقبلة، وهي التي باستطاعتها اشعال الحرائق في أكثر من مكان في الشرق الأوسط، وحتى في كل الشرق الأوسط. وهذا ما يبعث القلق لدى ادارة جو بايدن”.
المستشار العراقي يوضح “أن الآميركيين يرون أن الصراع بين القوى، والشخصيات، السياسية في اسرائيل حال بينها وبين التعاطي البانورامي مع التفاعلات اللامرئية في المنطقة، حتى أنها عاجزة عن تقدير ما يمكن أن ينتهي اليه الغليان الفلسطيني الذي قد يؤدي الى تخريب كل ما أتت به صفقة القرن”.
“بالرغم من كل ذلك، أياً كان رئيس الحكومة المقبل، لن يحيد عن سياسة “قطع رأس الأفعى في طهران”. اذ ذاك لا بديل أمام سوريا سوى الالتحاق بميثاق ابراهيم، كما أن “حزب الله” لا بد أن يتحلل ذاتياً، ولن تبقى صواريخه تقض مضاجع الجنرالات والحاخامات. والمثير أن الأميركيين يسخرون من هذه المقاربة البعيدة كلياً عن وعي التضاريس الاستراتيجية في المنطقة”.
المستشار يؤكد أن الكاظمي بذل جهوداً هائلة من أجل بلورة لغة مشتركة بين الرياض التي لها حساباتها الجيوسياسية المعقدة، ومن اليمن الى لبنان، وطهران التي لا تبدي استعداداً للتراجع، قيد انملة، عن دورها في أكثر من بلد عربي. ناهيك عن أن البلاط السعودي يخطط ربما لاقامة “المملكة العربية المتحدة”.
“هناك في البلاط من يعتقد أن تحقيق ذلك يعتمد على تفاهم بعيد المدى مع كل من تركيا واسرائيل. السؤال يبقى كيف يمكن للحلم السعودي، وكان حلم الملك عبد العزيز، بكل ديناميات القوة والضعف، أن يتعايش مع اللوثة التاريخية، واللوثة الايديولوجية، البالغة التعقيد لكل من القيادة التركية والقيادة الاسرائيلية”؟
السعوديون يعتقدون أن ادارة بايدن ادارة مؤقتة “ولكن عليهم أن يدركوا أن أميركا هي اميركا، ولقد قامت سياساتها، منذ اطلالتها الأولى على العالم العربي، على الحيلولة دون تشكل دولة، أو زعامة، قادرة على لم شمل العرب، ودفعهم الى الدخول في لعبة القرن”.
يقول المستشار في رئاسة الحكومة العراقية “كمعنيين بما يجري حولنا، وبما يمكن أن تنتظره المنطقة، يتكثف دورنا باتجاه وقف الصراع بين ضفتي الخليج. وهذه هي قناعة الكاظمي الذي يستشعر آلام السوريين، وآلام اللبنانيين، وآلام اليمنيين. من هنا كان تمنينا على الايرانيين أن يعوا معاناة هؤلاء الأشقاء، وأن يكونوا أكثر براغماتية في المسار التفاوضي الخاص بالاتفاق النووي، وهم الذين يعلمون مدى رغبة، ومصلحة، الولايات المتحدة في العودة الى الاتفاق”.
يختم “بقاء الصراع يعني بقاءنا في المراوحة، واستنزاف الذات، الى حد الانفجار والتفكك. الآخرون يدقون الباب تلو الباب ليكونوا شركاء في لعبة الأمم لا دمى مثلنا في لعبة الأمم..”. ما رأيكم ؟؟
Discussion about this post