نبيه البرجي
لعل الصقور داخل المؤسسة العسكرية، كما داخل المؤسسة السياسية والمؤسسة الدينية، تمكنوا من اقناع آية الله خامنئي بأن «تكون القنبلة في يدنا، وليكن ما يكون»، دون أن يكون هناك أي نص قرآني، أو أي نص فقهي، يحول دون الوصول الى القوة القصوى «ما دام صراعنا مع الشيطان الأكبر». في هذه الحال من هو الشيطان الأصغر؟ يقولون «آن الأوان لندرك أن الأميركيين و»الاسرائيليين» لا يفهمون سوى لغة القوة. الدليل في الحالة الكورية، وحيث لاحظنا كيف أن دونالد ترامب، بتغريداته التي كما لو أنها تغريدات الثيران، كاد يتبادل القبلات مع كيم جونغ ـ أون بالرغم من أن الرجل يمتلك ترسانة نووية، وترسانة صاروخية، تهدد أمن بلدان في المحيط الهادئ تعتبر جزءاً من الأمن الاستراتيجي الأميركي».
ما تناهى الينا من كلام الصقور، وعبر جهات موثوقة، أن جو بايدن انما «خاض مفاوضات فيينا لاستنزافنا ديبلوماسياً واعلامياً، حتى اذا ما حانت ساعة التوقيع انسحب تحت قرع الطبول في أوكرانيا».
يصفون التهديدات «الاسرائيلية»، وكما ورد في احدى قصائد الشيرازي بـ «مراقصة الهواء». وهذا ليس رأي باحثين في معاهد أوروبية يعتقدون أن «الاسرائيليين» الذين قاموا باختراقات مثيرة لـ»المقدسات الايرانية»، لا سيما المحطات النووية والشبكات الالكترونية، يعتقدون أن باستطاعاتهم شن غارات إلكترونية صاعقة على شبكات الرادار تسبق غارات جوية متلاحقة بأسطول من القاذفات التي تم اعدادها لهذه الغاية، بحيث يتم ارباك المنظومات الصاروخية التي يراهن عليها آيات الله لتدمير «اسرائيل».
في هذا السياق، ثمة مخططون استراتيجيون أميركيون يدعون الى ترك الايرانيين يصنعون القنبلة التي يقتصر مفعولها على الجوانب السيكولوجية، في حين تثير الهلع لدى الحكومات الخليجية التي بدأت تفتح أبوابها أمام الروس والصينيين. في هذه الحال، لا بد لهذه الحكومات من البقاء تحت مظلة القيادة الأميركية الوسطى…
الصقور في أميركا هم ورثة جون فوستر دالاس الذي سعى الى اقامة «سور من الخنادق البشرية» حول الاتحاد السوفياتي. هذا ما يقتضي احياء الايديولوجيات المجنونة ببقاياها الكامنة في قعر الأزمنة.
تداخل ذلك، بطبيعة الحال، مع استثمار وادارة الثروات النفطية في المنطقة، كون هذه المسارات تتحكم بالمسارات الاستراتيجية للكرة الأرضية.
هؤلاء الصقور يتحدثون عن «الاختلاف البنيوي» بين النموذج الكوري والنموذج الايراني. الأول يتقوقع داخل حيّز جغرافي يخضع، بشكل أو بآخر، للتأثيرات الصينية، وبغلاف ايديولوجي زال ألقه مع زوال الشيوعية من أروقة الكرملين، ودخول الصين في ثقافة السوق، ودون أن تتوفر في كوريا الشمالية موارد طبيعية جاذبة، حتى التاريخ هناك يتسم بالضحالة والهشاشة.
النموذج الايراني النقيض تماماً. موقع جيوستراتيجي فائق الحساسية. حضارة فذة، وتاريخ يدوي في أرجائه وقع أقدام الأباطرة، وحيث التفاعل مع ديناميكية ايديولوجية وجدت صداها الجيوسياسي في عدد من بلدان المنطقة، دون اغفال حقول النفط والغاز باحتياطات هائلة.
واذا وصف مفكر سياسي مثل روبرت كاغان «اسرائيل» بـ»حصاننا الأبيض في الشرق الأوسط»، ليتوقف عندما وصفه بـ «الأداء التكنولوجي الخلاق»، تحول سياسات الصقور دون ظهور أي «حالة تكنولوجية» أخرى يمكن أن تشكل حافزاً لدول مجاورة، كما الحال في شرق آسيا، حيث انتقلت «عدوى المداخن» بطريقة الدومينو.
وكان برنارد لويس، المستشرق الشهير، و»نبي المحافظين الجدد» قد رأى في الدول العربية «دولاً قبلية أقرب ما تكون الى قرى الهنود الحمر». «هنا الأراكيل تحل محل المداخن». لا امكانية للتحول الى بلدان صناعية…
وليم كريستول، وهو أحد تلامذة لويس، لاحظ أن الايرانيين (الآريين) يسكنهم الهاجس الأمبراطوري، ويسعون دون كلل للدخول في العالم الصناعي. من هنا ضرورة اشغالهم بصراعات عبثية، وحيث الدوران في حلقة مفرغة.
نظراؤه الصقور على خطاه. «لا تدعوهم يكسرون الحلقة المفرغة بالقنبلة النووية». لا حمائم في الدولة العميقة في أميركا. الكل صقور وبمناقير من نار…
Discussion about this post