لا يمكن حصر الازمة الاوكرانية بالابعاد الانفصالية بين دول الاتحاد السوفياتي السابق، بعدما بلغت حدا مفصليا حيال توغل حلف الناتو في عمق دول أعدائه السابقين، ما يعيد رسم خارطة العالم على اسس مغايرة وربما متناقضة.
تراكم العوامل الاستراتيجية دفع بوتين الى توجيه دباباته نحو أوكرانيا ومواجهة التوغل الغربي وفق سلوك إمبراطوري يعيد إلى الاذهان الرهبة السوفياتية القادرة على إسقاط أنظمة قبل بزوغ الفجر، على أن الغزو الروسي الجديد يتجاوز الهدف المنشود والوصاية على الحكم في أوكرانيا صوب حسابات معقدة تتضمن مصالح حيوية في ارجاء العالم.
القاسم المشترك بين روسيا وتركيا هو الاهتمام بالممرات البحرية كما بخطوط إمدادات الغاز إلى عمق أوروبا، ما يعيد شكل الصراع التاريخي بين الإمبراطوريتين وما تخللها من غزوات، والملفت بأن بوتين، كما اردوغان، توجها نحو الجنوب إلى حوض البحر المتوسط رغم تباين الأهداف النهائية.
ترتكز العلاقة بين للطرفين على تاريخ طويل من الغزوات ورغم ذلك استطاع الزعيمان خلق قواسم مشتركة في أشكال التدخل الخارجي، فسيطرة تركيا عسكريا على شمال تمت بتفاهم مع روسيا، والتوغل التركي في عمق صحراء ليبيا أخرج فرنسا من شمال أفريقيا وأعاد الاعتبار للحضور الروسي، وهذا الأمر ينسحب على العلاقات الملتبسة مع أوروبا والقائمة على النزاع دون الوصول لتفجير الموقف.
إتبع الزعيم التركي رجب طيب أردوغان سياسة المباغتة لتجاوز كم هائل من العقبات من اجل استعادة أمجاد السلطنة العثمانية والدفع بتركيا الحديثة نحو مكانة عالمية، لذلك قفز من أحضان حلف شمال الأطلسي إلى ابرام صفقة أسلحة مع روسيا والتزود بصواريخ S400، كذلك الأمر بين إسرائيل والعالم العربي خصوصا وأن مطلق زعامة إسلامية في العالم لا تتحق دون نقطة مركزية تتعلق بالصراع العربي – الاسرائيلي.
الأزمة الاوكرانية تبدو معاكسة لطموحات اردوغان على أعتاب العام 2023 حيث يسعى للتخلص من تبعات معاهدة لوزان وبعث تركيا الجديدة، فالمواجهة الأساسية يقودها بوتين بوجه حلف الناتو، فيما لا يمكن لاردوغان عمليا ان يقف على الحياد، ما يضعه أمام خيارات خطيرة، فمن جهة تجمعه مصالح استراتيجية مع روسيا لكنه عضو أصيل في حلف الناتو، خصوصا في ظل الصبغة الإسلامية لبعض الآقليات التترية في أوكرانيا والتي تساهم عمليا باحراج اردوغان اكثر مما تمنحه عناصر قوة على المسرح العالمي.
مصباح العلي 0-“لبنان 24”
Discussion about this post