كتبت “الحرة”: تضرب موجة من الجفاف والعطش دول منطقة الشرق الأوسط، مهددة حياة ملايين الأشخاص الذين يعانون أصلا من الصراعات والحروب، في ظل مخاوف من دولية حدوث موجات جديدة من النزوح والهجرة.
وبحسب مجموعات الإغاثة العاملة في المنطقة، فإن أكثر من 12 مليون شخص في سوريا والعراق لا يملكون القدرة على الوصول إلى المياه والغذاء والكهرباء، بسبب الجفاف.
وشهدت إيران خلال الأيام الماضية، مظاهرات حاشدة لآلاف الأشخاص في مدينة بوسط البلاد، طالبوا خلالها الحكومة باتخاذ إجراءات لمواجهة الجفاف، في وقت تعاني فيه إيران من انخفاض نسبة الأمطار مقارنة بأعوام سابقة.
وتعاني الأردن منذ سنوات، أزمة مياه مستعصية، ولاسيما في المدن الكبرى والعاصمة. وفي مصر، دق الرئيس عبد الفتاح السيسي ناقوس الخطر، عندما أعلن في أسبوع القاهرة للمياه بدورته الرابعة في أكتوبر الماضي، أن مصر في مرحلة متقدمة من الفقر المائي، إذ إن نصيب الفرد المصري من المياه لا يتجاوز 560 مترا مكعبا سنويا، بحسب صحيفة الأهرام.
المياه في العراق.. بغداد تفعل مذكرة مع تركيا للحصول على “حصة كاملة”
فياض: 3 تحديات علينا مواجهتها لحل مشكلة المياه
الوضع في دول شمال أفريقيا ليس أفضل حالا، فقد صنف معهد الموارد العالمي كلا من المغرب وتونس وليبيا والجزائر من بين 30 دولة هي الأكثر تعرضا لشح المياه على كوكب الأرض.
أرجع الزميل المشارك في المعهد الملكي للشؤون الدولية، كريم الجندي، مشكلة الجفاف إلى سببين رئيسيين: أزمة تغيير المناخ وسوء إدارة الموارد المائية في كثير من دول المنطقة.
وأوضح الجندي، وهو مؤسس مبادرة كربون للاستدامة في مدن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في حديثه مع موقع “الحرة” أن تغيير المناخ أدى إلى انخفاض نسب سقوط الأمطار والثلوج في دول المنطقة، مشيرا إلى أنه في أسوأ سيناريوهات ستنخفض نسبة الأمطار في شرق المتوسط بنسبة 25 في المئة، وفي المغرب العربي بنسبة 40 في المئة.
وأكد أن ارتفاع درجات الحرارة بسبب التغير المناخي أدى إلى زيادة نسبة تبخر المياه خلف السدود في بعض الدول، مثل العراق وسوريا وتركيا. وأشار الجندي إلى أن المنطقة تعاني من تذبذب في عمليات سقوط الأمطار على مدار السنوات، مؤكدا أن التغير المناخي زاد من هذا التذبذب، وبالتالي أصبحت المنطقة تعاني من الجفاف الشديد أو الفيضانات.
في تشرين الأول الماضي، أعلنت السلطات العراقية، أن الجفاف وشح المياه سيجبران البلاد على تقليص المساحات المزروعة للموسم الزراعي 2021-2022 بمقدار النصف، في حين أشار مسؤول دولي إلى مشاريع لمساعدة المزارعين.
وبحسب بيان مشترك لمنظمة فاو وبرنامج الأغذية العالمي والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، في تشرين الأول 2020، فإن تأثير نقص المياه في العراق أصبح واضحا من خلال انخفاض نسبة إنتاج المحاصيل لعام 2021. ويجب اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة تغير المناخ، والعمل معا لمعالجة الأسباب الجذرية.
وأشار البيان إلى أن “إنتاج القمح سيكون بحلول نهاية الموسم، أقل بنسبة 70 في المئة وأن إنتاج الشعير سيكون بكميات ضئيلة جدا”.
ووفق تقرير أعدته 13 منظمة غير حكومية في أغسطس، بينها المجلس النروجي للاجئين، فإن “فقدان الوصول إلى مياه الفرات بالإضافة إلى الجفاف، يهددان معيشة ما لا يقل عن سبعة ملايين عراقي”.
وأكد الخبير المائي، تحسين الموسوي، أن العراق يواجه أزمة مياه قد تؤدي إلى حدوث مجاعة في السنوات القادمة، بسبب تصحر الأراضي الزراعية نتيجة الجفاف الشديد.
ويرى الموسوي في حديث مع موقع “الحرة” أن هذه الأزمة ليست وليدة اليوم بل تعود إلى أكثر من 30 سنة عندما انشغل العراق بالحروب والصراعات الداخلية عن حماية موارده المائية مما دفع دول المنبع، مثل تركيا وإيران، إلى استغلال هذه الظروف وبناء الخزانات والسدود على نهري دجلة والفرات.
وأشار إلى أن العراق فقد أكثر من 60 في المئة من موارده المائية القادمة من تركيا بسبب سياسة أنقرة التوسعية في بناء السدود بما يخالف القانون الدولي. كما لفت إلى أن أزمة التغير المناخي وانخفاض الأمطار وسوء استخدام المياه أدى تعقيد هذه الأزمة.
وشدد أن العراق يحتاج إلى مفاوض دولي قوي لاسترداد حقوقه المائية الضائعة، بالإضافة إلى استحداث أساليب حديثه للحافظ على المياه.
في سوريا، جفت مياه سد الدويسات في منطقة دركوش الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة، لأول مرة منذ إنشائه في عام 1984. وتراجع منسوب المياه في بحيرة الأسد حوالي خمسة أمتار في سد الطبقة، وبات يقترب من المنسوب الميت أيضا، بحسب فرانس برس.
وفي شمال شرق سوريا، تراجع إنتاج الكهرباء بنسبة 70 في المئة لأن سدي تشرين والطبقة لا يعملان بالشكل المطلوب.
وأحصت الأمم المتحدة انقطاع المياه عن محطة علوك 24 مرة منذ العام 2019 ما ينعكس على حياة 460 ألف شخص يستفيدون منها في محافظة الحسكة.
وأرجع الصحفي المتخصص بشؤون المياه، أيهم مرعي، في حديثه مع موقع “الحرة” هذه الأزمة إلى سببين رئيسيين، الأول انخفاض سقوط الأمطار بشكل كبير على مدار العام الجاري، والثاني: تحكم تركيا في كمية المياه المتدفقة في نهر الفرات من خلال بناء سدود جديدة عليه.
ويفاقم التغير المناخي الجفاف بمنطقة الشرق الأوسط، لكن الوضع في الأردن أشد سوءا من أوضاع جيرانه. وقال المسؤول بوزارة المياه عمر سلامة لوكالة رويترز في سبتمبر “هذا الموسم كان ضعيفا بكل المعايير، بسبب الهطول الشحيح للأمطار، حيث إن الهطول لم يزد عن ستين بالمئة من المتوسط العام”.
ومع استنزاف طبقات المياه الجوفية في الصحراء وتضرر تدفقات المياه بنهر الأردن من أكبر روافده اليرموك بفعل عمليات تحويل مجرى النهر في إسرائيل وسوريا، يشعر المزارعون في غور الأردن بالانزعاج.
وذكرت ميسون الزعبي، أمين عام وزارة الري والمياه الأردنية سابقا، أن الأردن من الدول شحيحة المياه، مشيرة إلى أن حصة الفرد لا تتعدى 90 متر مكعب سنويا في الوقت الذي يعتبر خط فقر المياه نحو 1500 متر.
وأرجعت الزعبي في حديثها مع موقع الحرة” هذا إلى تدفق موجات اللاجئين في البلاد، وهو ما ضاعف عدد السكان خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى التغير المناخي وانخفاض سقوط الأمطار. وأكدت أن توفير المياه قضية أساسية في الأردن لها أولوية مقارنة بغيرها من القضايا، مشيرة إلى أن عملية تحلية مياه البحر مكلفة بشكل كبير.
يعتبر مستقبل الأمن المائي في مصر على المحك، حيث يواجه قطاع المياه تحديات جمة وعلى رأسها الزيادة السكانية والتغيرات المناخية وسد النهضة الإثيوبي، بحسب ما أكد أستاذ المياه والأراضي بجامعة القاهرة، نادر نور الدين.
وأرجع نور الدين في حديثه مع موقع “الحرة” هذا الفقر المائي إلى موقع مصر الجغرافي كجزء من الصحراء الأفريقية شديدة الجفاف، مشيرا إلى أن مصر لا تمتلك موارد للمياه سوى نهر النيل وبعض الأمطار الضئيلة على السواحل.
في دول شمال أفريقيا، تسبب الجفاف في تداعيات خطيرة. فقد تزايد عدد السدود التي نضبت منها الماء وجفّت أشجار الزيتون إلى درجة تهدد بحرمان مئات المزارعين من مصدر رزقهم.
ويقول أستاذ الجغرافيا في المعهد الأميركي بأوريغون أيرون وولف، لفرانس برس “تجف المياه الجوفية في شمال إفريقيا بسبب نقص الأمطار والسحب المفرط” للماء.
وحذر الخبراء من أن الجفاف وتقلص الأراضي الزراعية يمكن أن يكون سببا للصراع والخلاف في المستقبل، فالمنطقة ممزقة بالفعل بسبب المياه العذبة سواء تلك التي يؤمنها نهر النيل أو أنهر الأردن والفرات ودجلة.
وقال المدير الإقليمي للشرق الأوسط في المجلس الدنماركي للاجئين، جيري غارفي، في أغسطس الماضي: “أزمة المياه ستزداد سوءا لا محالة. وبالتالي فإنه من المرجح أن يحتد الصراع في منطقة تعاني أساسا من عدم الاستقرار. لا نملك وقتا لإضاعته، يجب أن نجد حلولا مستدامة توفر الماء والغذاء للأجيال الحالية والقادمة”.
وأكد الباحث كريم الجندي أن هذا الجفاف سيؤدي إلى انخفاض الإنتاج الزراعي وبالتالي انعدام الأمن الغذائي في المنطقة، كما سيؤدي إلى ارتفاع مستوى البطالة وعمليات هجرة من الريف إلى المدن بسبب تراجع عمليات الزراعة.
Discussion about this post